Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

حين يصبح السجن طريقة للحكم

 

أصدرت يوم أمس الثلاثاء 27 منظمة مدافعة عن حرية التعبير، وبينها كبرى جمعيات الصحافيين الدولية، بياناً تطالب فيه بالإفراج الفوري عن الصحافية التركية سديف كاباش وبكفّ حكومة أنقرة عن التضييق على الصحافيين والزجّ بهم في السجون..

من المعروف أن تركيا هي من البلدان الأكثر قمعاً للصحافيين، إذ بلغ عدد الصحافيين المسجونين لديها أكبره عالمياً في السنوات التي أعقبت المحاولة الانقلابية الفاشلة في عام 2016، ولو تراجعت تركيا مذّاك من المرتبة الأولى إلى السادسة عالمياً، بعد الصين وميانمار ومصر وفيتنام وبيلاروس. 

هذا مع ملاحظة لا بدّ منها في هذا الصدد، هي أن العدد المرتفع للصحافيين المسجونين في تركيا يترافق مع قسط من الحريات السياسية يفوق بالتأكيد ما يسود في البلدان الخمسة الأخرى المذكورة، ذلك أن حالة تركيا فريدة من حيث اجتيازها مرحلة تضييق متزايد على حرية الرأي والتعبير منذ المنعطف السلطوي الذي بدأ فيها قبل سبع سنوات، بعد أن كانت شروط الديمقراطية قد بلغت لديها درجة عالية نسبياً.

أما «الجُرم» الذي اقترفته سديف كاباش فهو إرسالها إلى ملايين المتابعين لها على حساب تويتر لتغريدة اقتصرت على نقل مَثل شعبي تركي عميق المغزى، مِثله في ذلك مثل سائر الأمثال الشعبية، يقول: «عندما يأتي الثور إلى القصر، لا يتحوّل الثور إلى مَلِك، بل يتحوّل القصر إلى إصطَبل».

 وقد امتعض الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أشدّ الامتعاض من هذا المثل الذي شعر أنه هو المقصود به، ولو لم تذكر الصحافية اسمه، فأمر باعتقالها. ولو كُتِب لكل من هجا رئيس الدولة في بلدان كالولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أن يُزَجّ به في السجون لامتلأت هذه واضطُرّت السلطات إلى جمع المعتقلين في معسكرات اعتقال عظيمة المساحة.

هذا وتقول الحكمة الشعبية أيضاً أن لا أحد يشعر بلا سبب بأنه مستهدف بكلام لم يذكره، وما أكثر الذين يحق لهم بمشروعية كاملة أن يشعروا بأن المَثل التركي ينطبق عليهم إذ إنهم أقرب إلى الثيران منهم إلى البشر من حيث نزعتهم إلى العنف ومهاجمة كل من يعترض سبيلهم، حتى ولو كان الاعتراض بإبداء الرأي لا غير.

ومن المناسب أن تعبير «القصر» في المَثل التركي ينطبق على مقرّ رأس الدولة مهما كانت طبيعة نظام الحكم السائد، وما أكثر القصور التي تحوّلت إلى إصطبلات في منطقتنا العربية من جراء نزول أشباه الثيران فيها!

هذا ولو نظرنا إلى عدد المساجين الإجمالي حسب موقع «تقرير السجون العالمية» (World Prison Brief) الذي تشرف عليه جامعة بيركبيك البريطانية، لوجدنا أن تركيا تحتل أيضاً المرتبة السادسة بعدد السجناء الإجمالي، إذ يفوق هذا العدد لديها 290 ألفاً، أي بنسبة 347 لكل مئة ألف من السكان، تليها من منطقة الشرق الأوسط بين الدول الأربعين التي تسجن أكبر أعداد من البشر:

 إيران (المرتبة العاشرة، 189 ألفاً، النسبة: 228) ومصر (المرتبة 14، 120 ألفاً، النسبة: 118) والمملكة المغربية (المرتبة 21، 85 ألفاً، النسبة: 232) والمملكة السعودية (المرتبة 29، 68 ألفاً، النسبة: 207) والجزائر (المرتبة 30، 65 ألفاً، النسبة: 153) والعراق (المرتبة 34، 57 ألفاً، النسبة: 145). أما الدولة الصهيونية، فيبلغ عدد المساجين فيها 19,400 ونسبة المساجين إلى السكان 234، بما يجعل عدد المساجين فيها نسبة إلى تعداد السكان الأكبر في الشرق الأوسط بعد تركيا. وبالطبع فإن نسبة سجناء الرأي، أي السجناء السياسيين، من عدد السجناء الإجمالي شديدة الارتفاع في منطقتنا، وقد تكون على أعلاها في مصر عبد الفتّاح السيسي حيث يُقدّر أن نصف السجناء معتقلين لأسباب سياسية بحتة.

عسى أن تتمكن شعوب منطقتنا أن تفلح يوماً في استبدال مقرات الحكم ليس بالقصور، بل بالبيوت العادية التي تليق وحدها بسلطة ديمقراطية حقاً تكون فعلاً «حكم الشعب بالشعب وللشعب» حسب عبارة أبراهام لينكولن الشهيرة في عام 1863، وهو يقود الولايات المتحدة في حربها ضد أنصار العبودية (وكم بات من مسافة كبيرة على بلاده أن تجتازها كي تحقق ما نادى به، هي التي يبلغ عدد السجناء فيها أكبره عالمياً سواء أكان التعداد بالأرقام المطلقة أم بالأرقام النسبية، وغالبيتهم من السود!).

 وقد استوحت الجمهورية الجزائرية من تلك العبارة الشهيرة فجعلت شعارها «بالشعب وللشعب» غير أن واقعها أبعد بَعد عن الشعار مما هو واقع وطن الشعار الأصلي، لاسيما بعد تصعيد القمع السياسي الهادف إلى منع الحراك الشعبي الجزائري، الذي انطلق في مثل هذا الشهر قبل ثلاث سنوات، من أن يتجدّد.



0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال