Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

الفيلم الأميركي الجديد “معركة الجنسين” صراع المرأة مع الرجل من أجل المساواة

 يتناول الفيلم الأميركي الجديد “معركة الجنسين” موضوعا يرتبط من ناحية بما عرف بـ”الثورة الجنسية” التي كانت قد بلغت ذروتها في سبعينات القرن الماضي، ومن ناحية أخرى بالنضال النسوي من أجل المساواة مع الرجل وبروز الحركة النسائية الجديدة (فمينيزم) التي سعت وما زالت تسعى إلى التصدي للتعصب الذكوري.
كتب سيناريو الفيلم الجديد “معركة الجنسين” Battle of the Sexes البريطاني سيمون بوفوي (الذي حصل على الأوسكار عن سيناريو فيلم “مليونير العشوائيات” لداني بويل)، واشترك في إخراجه الثنائي الأميركي جوناثان ديتون وفاليري فارس اللذان يعملان معا (وهما زوجان)، وهما مخرجا فيلم “مس صن شاين الصغيرة” (2006) الذي رشح لأربع من جوائز الأوسكار.
ويستمد فيلم “معركة الجنسين” موضوعه من مباراة التنس الشهيرة التي أقيمت عام 1973 في هيوستون بولاية تكساس، بين لاعب التنس العالمي السابق المعروف بوبي ريغز، وكان وقتها في الخامسة والخمسين من عمره، وبيللي جين كنغ التي توجت بطلة للعالم في اللعبة وكانت في التاسعة والعشرين، وكان الفائز في المباراة سيحصل على 100 ألف دولار.
لكن الأهم ما كان يمثله ويرمز إليه هذا التحدي الذي جاء من طرف بوبي ريغز الحاصل ثلاث مرات على بطولة ويمبلدون الدولية قبل أن يعتزل، لكنه أراد بتحدي اللاعبة الشابة بيللي أن يثبت أمام ملايين المشاهدين (شاهد المباراة تسعون مليون مشاهد على الهواء في شتى أنحاء العالم) أن التنس لعبة خلقت للرجال، وأن الجمهور يأتي فقط لمشاهدة اللاعبين الرجال، وأنها رياضة لا تناسب النساء، وأن بمقدوره حتى بعد أن أصبح في هذه السن أن ينزل هزيمة مهينة ببيللي جين، ويكشف ضعفها وقلة حيلتها، ويقضي بالتالي على النزعة التي دفعتها مع زميلاتها إلى تكوين اتحاد نسائي للعبة التنس، يرغب في فرض شروطه على مقاولي اللعبة في الولايات المتحدة والحصول على حقوق مالية توازي ما يحصل عليه اللاعبون الرجال.
ولا يبدأ الفيلم من المباراة التي أطلقت عليها الصحافة “معركة الجنسين”، بل ينتهي بها، لكنه يبدأ من اكتشاف بيللي أنها ستحصل من المال على أقل بثماني مرات ممّا يحصل عليه زميلها الرجل، فتشترك مع المشرفة المسؤولة عنها ومجموعة من اللاعبات في تكوين الاتحاد النسائي الأميركي للتنس وتحدي المسؤولين عن الاتحاد الوطني الأميركي الذين يهيمنون على اللعبة ويحققون أرباحا خيالية من ورائها.
فيلم (معركة الجنسين) لا يبدأ من المباراة التي أطلقت عليها الصحافة (معركة الجنسين)، بل ينتهي بها
ولا بد بالتالي أن يسبق وصولنا إلى مشهد المباراة الحاسمة، الكثير من التمهيد والإرهاصات والمواقف التي تجعل بيللي جين تقبل التحدي، وتوافق على اللعب أمام بوبي الذي يعتقد أن أي لاعب (ذكر) يمكنه أن ينزل الهزيمة بأي لاعبة (أنثى)، لكن هل “المعركة” تدور فقط حول مفهوم التفوق الجنساني بين الذكر والأنثى؟
تعدد المستويات
تكمن براعة السيناريو في نقل الموضوع إلى مستويات متعدّدة أخرى، منها فكرة البحث عن التحقّق وإثبات الوجود في حالة بوبي الذي أصبحت علاقته بزوجته (الثرية) عرضة للتصدّع، فهو يترمّم على ما تنفقه عليه زوجته، يمتهن عملا هامشيا تافها لا يشعره بقيمته بقدر ما يجعله مهانا أمام زوجته، وهو أيضا مقامر مدمن، يضيع كل ما تمسك به يداه على مائدة القمار.
وتضطر زوجته إلى طرده من منزلها، فيذهب كما نرى في بداية الفيلم، لقضاء ليلته في منزل ابنه، يريد بوبي إذن أن يحقّق النصر ويحصل على المئة ألف دولار لكي يخرج من أزمته، كان هذا في 1973 حينما كان هذا المبلغ يعتبر ثروة كبيرة بالطبع!
من ناحية أخرى تلتقي بيللي جين بفتاة (مصفّفة شعر) شابة شقراء في لوس أنجلس خلال زيارة مجموعة لاعبات التنس للمدينة في إطار حملتهنّ الدعائية، وسرعان ما تجد نفسها منساقة معها في علاقة لا تعرف بعد هل هي مجرد نزوة أم أنها ستتخذ أبعادا أكثر عمقا؟
وسينعكس هذا بالطبع على علاقتها بزوجها الذي يحبها ويتفهم مشاعرها ويبدو شديد التسامح معها رغم شعوره بالألم الخفي، بل إنه سيلعب دورا ملموسا في دفعها لمواجهة بوبي وتحقيق الفوز عليه.
يلامس الفيلم فكرة البحث عن التوجه الجنسي عند المرأة، وحقها في اختيار شريكها، وتمردها على المفهوم التقليدي للأسرة، وما إذا كانت ستقدر على مواجهة المجتمع الذي لم يكن مؤهلا بعد لقبول أشكال من العلاقات كان -وربما لا يزال- ينظر إليها باعتبارها علاقات “شاذة”.
ويركز الفيلم على حيرة بيللي نفسها، واضطرابها وتساؤلاتها الدائمة حول قدرتها على عبور أزمتها الداخلية، وحسم الصراع المشتعل داخلها، خاصة بعد أن تخسر مباراتها مع منافستها الأسترالية مرغريت التي تكن لها الحقد والكراهية بعد أن يدفعها بوبي ويشجعها خفية لإنزال الهزيمة بغريمته بيللي، والتي يعتبرها “زعيمة المجموعة الخطرة” التي تريد أن تعصف بهيمنة الرجال على اللعبة.
فكرة مستلهمة من مباراة تنس شهيرة بين ذكر وأنثى
عندما يستقر الأمر على ضرورة أن تواجه بيللي بوبي هيغز في المباراة، تقف فتيات حركة “الفمينيزم” وراء بيللي، ويقف الرجال الشوفونيون المتعصّبون ضد المرأة وراء بوبي ومن بينهم معلق رياضي كان لاعبا سابقا مرموقا للتنس، تعترض بيللي على اختيار بوبي له للتعليق على المباراة.
تقوم إيما ستون بدور بيللي، وأمامها ستيف كاريل في دور بوبي، وهو دور آخر لهذا الممثل في فيلم من الأفلام التي توصف بكونها أفلاما “رياضية”، فقد سبق أن تألق قبل ثلاث سنوات ورشّح لنيل أوسكار أحسن ممثل عن دوره في فيلم “صائد الثعالب” (فوكسكاتشر) الذي قام فيه بدور رجل ثري يتبنى لاعبا موهوبا في كرة الرغبي، بل ويصبح أيضا راعيا لفريق الرغبي الأميركي الوطني تحقيقا لأهدافه الخاصة.
عن الأداء
ستيف كاريل يرتدي هنا “باروكة” شعر، وملابس تحمل علامات دعائية طفولية، يبدو مثل مهرّج، تشيع الكاريكاتيرية في سلوكياته وحركاته الطفولية مع الكثير من المبالغة في أدائه، والمقصود بالطبع السخرية من شخصيته ومن شعاراته التي تعبّر عن ازدرائه للمرأة، ولكنه في الوقت نفسه لا يصبح مجرد نمط أحادي في هذه الدراما المنسوجة جيدا، فمن خلال ما نراه ممّا يجري وراء الكواليس بينه وبين زوجته، هو رجل حائر مرهق، معذب أيضا بين حبه لزوجته ورغبته في إصلاح علاقته بها، وبين إدمانه على القمار وعدم قدرته على تجاوز هذا الإدمان.
وفي أحد المشاهد الطريفة في الفيلم نراه ضمن مجموعة الباحثين عن العلاج النفسي عن طريق مواجهة الذات، لكنه لا يتحمّل الجلسة العلاجية، بل ينتفض ويثور ويسخر من فكرة العلاج نفسها، بالقول “إن مشكلة مدمني القمار ليست عجزهم عن التخلص منه، بل عدم قدرتهم على تحقيق الفوز، ولو كانوا يفوزون لما جاءوا للبحث عن وسيلة للإقلاع”. وبقدر ما يظهر بوبي في الفيلم كشخص غريب الأطوار متطرّف المشاعر، يبدو كرجل يتمتع بروح المرح والدعابة.
إيما ستون من ناحيتها، تقمّصت ببراعة شخصية لاعبة التنس بيللي جين، ساعدها في ذلك الماكياج وتصفيفة الشعر والنظارات التي ترتديها، ممّا جعلها أقرب كثيرا في ملامحها الخارجية إلى الشخصية الحقيقية، وقد نجحت في التعبير عن قلق بيللي وتوتّرها وشعورها بالذنب إزاء زوجها الذي تعترف أكثر من مرة بأنها تحبه، ورغبتها المندفعة في الوقت نفسه نحو وجهة أخرى.
ونجحت ستون كما نجح المخرجان في تقديم المشاهد الحسية في الفيلم، من دون مبالغة أو استطرادات، وفي حدود تصوير الجانب الآخر من شخصية البطلة التي واجهت في الواقع بعد ذلك، بسبب علاقتها بتلك الفتاة، الكثير من المشاكل بعد أن انفصلت عنها، ووصل الأمر إلى القضاء الذي قضى بتقسيم الممتلكات فيما بينهما، وتراكمت عليها الديون للمحامين التي بلغت مليوني دولار، واضطرت للاستمرار في ممارسة اللعبة حتى وقت متقدم من عمرها لتسديد ديونها.
يتناول فيلم “معركة الجنسين” موضوع المساواة في الحقوق المدنية بين الرجال والنساء، وحرية العلاقات الجنسية والاختيار الجنسي، ويعبر عن هذا في نهاية الفيلم “تيد” صديق بيللي مصمّم الملابس الإنكليزي، عندما يقول لها إنه “سيأتي يوم نكون أحرارا فيما نريد أن نكونه، ويصبح بمقدورنا أن نحب من نريد أن نحبه”.
 أمير العمري - ناقد سينمائي مصري 

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال