بعد سبعة عشر عاما من التدمير المنهجي للدولة العراقية ومؤسساتها، ولنسيج الشعب العراقي الذي امتد إلى كل قطاعات البلد المختلفة، تتفتق عقول حكومة المنطقة الخضراء وبرلمانها عن قانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية لاستكمال حلقة التدمير الكامل، ولتطويق العراقيين حاضرا ومستقبلا، باستعمار فكري مفصل، ليس من أجل العلم والثقافة والفكر، بل من أجل التجهيل وإرساء أيديولوجية دينية متخلّفة ترتبط بولاية الفقيه.
صدم الأساتذة الجامعيون والأكاديميون والمتخصصون من تشريع هذا القانون الجائر بحق الكادر التعليمي والعلم والتعليم والثقافة، اعتبروه مشينا بحق العراق، ومؤسساته التعليمية والعلمية المعروفة بصرامتها ورصانتها المهنية واحترامها المعايير الدولية، ورأوا فيه تدميرا للتعليم الذي هو أساس تقدم أي بلد ورقيه، لأنه يخرق كل القواعد المتعارف عليها في كل أنحاء العالم، فلا يوجد دولة تعتمد قانونا كهذا، يضرب العلم والتعليم والشهادة والفكر بعرض الحائط، ليكون قانونا مفصلا لخدمة المزوّرين للشهادات، وكل من ليس له تحصيل علمي أو أنه لا يمتلك إلا الشهادة الابتدائية أو المتوسطة من الطبقة السياسية، ممن ملك المال الفاسد والسلطة غير الشرعية بعد الغزو، ليستحوذ اليوم أيضا على الشهادات العلمية والألقاب الجامعية التي يشعر بنقص كبير لعدم امتلاكه لها. شرّع هذا القانون لمجموعةٍ هي أصلا مزورة للشهادات في البرلمان، لأنهم كثر، وهو ما صرّح به أحد النواب تحت قبة البرلمان، بقوله إن نوابا كثيرين لا يملك الواحد منهم أي شهادة علمية، ولكنه زور شهادات، ونسبها لنفسه، ووضعها في السيرة الذاتية، ليقدمها في الانتخابات، ومن هؤلاء المزورين المعروفين نائب سابق لرئيس الوزراء. أي أن البرلمان شرّع ما كان يجري بالخفاء، ليصبح، وبكل وقاحة، قانونا يتم العمل به لخدمة أدوات الاحتلال وهيمنتها.
القانون هو وسيلة لهيمنة الفاسدين في عملية الاحتلال السياسية على آخر ما بقي للعراق والعراقيين من فضاءٍ لم تمسّه أيادي التخريب والتهديم بقوة
هذا القانون هو تتويج مرحلة تدوم منذ سبعة عشر عاما من التدمير، وليس معزولا عما يحدث في العراق، وعن مشروع وخطط تجريفه بالكامل وإعادة تشكليه. وإثر ذلك، دعا أساتذة جامعيون كثيرون إلى الوقوف ضد هذا القانون الذي وصفه رئيس قسم الإعلام والصحافة في كلية الآداب سابقا، هاشم حسن، بأنه قانون نصب واحتيال، وبأن من شرّعه قد كتب ديباجة براقة، بحجة التطور العلمي، لكنها حجج كاذبة بشكل صارخ، تفضح هذه الفئة. وعبر وزير التعليم العالي، سامي المظفر، عن غضبه واستيائه من هذا القانون، وكتب يخاطب البرلمانيين: "لا عذر لكم في منح أنفسكم الشرعية التي لا تملكونها في تشريع قانون أسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية إلا بموافقة وزارة التعليم العالي". وأطلق الإعلامي محمد السيد جاسم الذي لا يترك مناسبة إلا ويطعن بالنظام الوطني على قانون أصدقائه في المستعمرة الخضراء، على القانون تسمية الدكّة الناقصة.
وفي الخارج، بادر اتحاد النخب والأكاديميين العراقيين الذي تأسس قبل أشهر ليكون رابطة وحدة فكرية ووطنية عراقية من كل الاختصاصات، لخدمة القضية العراقية ومواجهة التهديم والتدهور الذي لم ينقطع، والهادف إلى إنهاء هذا البلد، شعبا وحضارة ووجودا، في تنظيم ندوة شارك فيها أكثر من 150 جامعيا وأكاديميا، وحاضر فيها رئيس الجامعة المستنصرية سابقا والمؤسس لجامعات بابل والكوفة وديالى، رياض الدباغ، وهو من أهم الكوادر العراقية العلمية والأكاديمية المعروفة على المستويين، العربي والدولي. قال إن القانون يعد خرقا لكل القيم والأعراف الجامعية، وتدخلا سافرا في شؤون الجامعات العراقية التي لا يمتلك أحد سواها الحق في معادلة الشهادات، هي مستودعات علمية وفكرية، وهي كياناتٌ مستقلة قادرة على إدارة شؤونها العلمية، وكذلك شؤونها التربوية والأكاديمية، بموجب قوانينها الخاصة. وأشار إلى الصلاحيات الواسعة التي كانت تتمتع بها الجامعات قبل الغزو، والمخصصات المالية التي تتجاوز مخصصات الوزارات، إضافة إلى الاستقلالية المالية والإدارية، حيث سهل أداء مهام وظيفتنا الجامعية في إثراء المعرفة ونشرها، وتوظيفها لخدمة مجتمعنا في أجواء أكاديمية شفّافة ومنفتحة. وشرح الدباغ كيف أن هذا القانون سيسهم في تدهور الرصانة العلمية، وسيشجع على تولي أنصاف المتعلمين المراكز التعليمية، ما يؤثر على تنشئة أجيال علمية ضعيفة، لا تتمتع بالرصانة. وعلّق بأن المرتبة العلمية والشهادة لا يمنحها أشخاص، بل مجالس الجامعات، وتصادق بعدها من الدوائر الأعلى، وهذا ما يلغيه مجلس النواب، وهي مخالفة كبيرة للقوانين العراقية من النواب، ومجلسه الذي يراكم أخطاء أخرى في هذا القانون، منها إضافة بنود ومواد قانونية خاصة بهم، وبامتيازاتهم تتعارض مع قوانين وزارة التعليم العالي، وحتى مع الدستور العراقي.
قانون جائر بحق الكادر التعليمي والعلم والتعليم والثقافة، مشيناً بحق العراق، ومؤسساته التعليمية والعلمية
أساتذة وأكاديميون وإعلاميون وحتى المواطنون أجمعوا على أن هذا القانون هو وسيلة لهيمنة الفاسدين في عملية الاحتلال السياسية على آخر ما بقي للعراق والعراقيين من فضاءٍ لم تمسّه أيادي التخريب والتهديم بقوة، على الرغم من دخولها إليه منذ سنوات، وفرض سياسة المفاضلة في القبول وتعيين الأساتذة وإعطاء الألقاب العلمية بالعشرات لأطروحاتٍ لا قيمة علمية لها، كالتي أعطيت لرئيس المحكمة الدستورية الحالي، المفترض قانونيا أن يتفرغ للعلم، ولا يتقدم للدراسة والحصول على لقب علمي، ما دام في وظيفته، وممارسا لها في فترة الدراسة، تجنبا لوجود مصلحة شخصية. في سنوات السبعينات، سمحت وزارة التعليم العالي للموظفين وللعسكريين بالتسجيل في الجامعات، وكان هؤلاء يدرسون من دون أن يشعر بهم الطلاب والأساتذة، ولا يمكن التفرقة بينهم إلا بسبب العمر، ولم تسجل منهم أي تجاوزات لا على أستاذ ولا على طالب ولا على إدارة جامعية، بل لم يسجل حتى تدخل رئاسي في الشؤون الجامعية، لا من قريب ولا من بعيد، بينما تشرع المنطقة الخضراء التي تتبجح بالديمقراطية، وتستقوي بالإيراني والأطلسي، لفرض ما تريده المليشيات التابعة للولي الفقيه في طهران، لأن شكل هذا القانون وبصماته لا تخطئ في أنه تفصيل درجات وألقاب علمية عالية لغير المتعلمين من المليشيات، وخاصة للقادة الذين اختارهم قاسم سليماني لاحتلال العراق.
إنه قانون مليشياوي، بامتياز، صوّت عليه نواب وأحزاب برلمان تابع لهم. الوقوف بوجه هذه المخططات التي لم تتوقف يوما يتحقق فقط بمساندة الثوار وثورة تشرين التي خرج شبابها من جديد بقوة يردّدون "هاي هي هاي هي تبرد الثورة وتردها الناصرية". الثوار هم أمل العراق الوحيد، وحدهم قادرون على وقف تدمير العراق وسرقته، والوقوف بوجه الأشرار.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال