Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

مصر.. العودة المستحيلة

 

قال لي: أنت أمام خيارين، الأول أن تعيش في وطنك الأم مصر، أخرس وأعمى وأصم، ترتعش من مرور ضابط أمن بجوارك، تخشى من صديقك أنْ يبلغ أو يرشد عنك، لأنك تختلف مع ديكتاتور البلاد ولصوص العصر، لا تستطيع أن تقرأ الفاتحة على قبر والدك وقبر والدتك، تعجز عن الاستمتاع بالأزرق الكبير الذي تعلمت فيه السباحة بالأنفوش منذ ستين عاما، تساهم في حشر رؤيتك عن هموم وطنك الأم. ليس لك كرامة وحق الصراخ فيما لا تتفق معه، وقيمتك كإنسان أقل من جيفة، ولا تقبل صحيفة محتضرة مقالا لك.

الخيار الثاني، أن تعيش خارج الوطن الأم، وتأتيك حقوقك من حيث لا تدري، وتساهم في بلورة رؤيتك في كل شيء، ولا أحد يسألك عن دينك أو الحزب الذي تنتمي إليه أو واسطتك التي تسهل لك الأمور، أو مئات من حقوق المغتربين التي تساوي آلاف المرات من حقوق المواطنة الأصلية التي أعطاك إياها مولدك!

وبعد خمسين عاما من هجرتي اخترت الكرامة في البُعد، وابتعدت عن الجُبن في القرب، فاستمرت كتاباتي وكانت حصيلة خسائري ومكاسبي سماوية المعنى، وليست أرضية تدوس عليها السلطة السياسية في بلدي الأم .

ومع ذلك فلم ينتقص غضبي وخياري هذا من محبتي لمصر وخوفي عليها من ولاد الكلب المستبدين واللصوص والفاسدين والمنافقين، ولم أنكر فضل من رحبوا بي في بلادهم وأعطوني ما لم أكن أحلم به.

لهذا لن أعود إلى مصر، وأعتذر لأمي وأبي لأنني لم أقرأ الفاتحة على قبريهما الطاهرين.

المحصلة أنني لم أخسر، وهجرتي ليست غُربة، وغُربتي أرضية فقط، وأصدقائي الافتراضيون منحوني، افتراضياً، ما عجز عنه أصدقائي الذين شاركوني المولد وتراب الأرض الذي قذفوه لاحقا في وجهي.

يسألونني: متي ستعود للوطن الأم؛ فأردّ عليهم: متي سيعود الوطن الأم لمهاجريه الذين هاجروا منه و.. لم يهجروه!

طائر الشمال - عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين

محمد عبد المجيد - صحفي/كاتب

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال