Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

رفض عراقي واسع لانتخابات أكتوبر المقبل

 العراقيون أتقنوا اللعبة السياسية وتفننوا في تفكيكها وفهمها وكشف أكاذيبها لذلك أيقنوا أن الحديث عن انتخابات برلمان الخضراء يقترن بظاهرة تزوير الأصوات المعدة مسبقا في غرفة العمليات السوداء للأحزاب وميليشياتها.

على الرغم من أن جينين بلاسخارات، مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق حذرت من مقاطعة الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، المقرر إجراؤها في العاشر من الشهر المقبل، وتأكيدها أن “الأمم المتحدة تدعم إجراء انتخابات ذات مصداقية عالية، وتشيد بالتزام الحكومة العراقية وجديتها بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد”.

وعلى الرغم من أن المتحدث باسم الحكومة العراقية وزير الثقافة حسن ناظم كشف عن استمرار الحوارات مع القوى المقاطعة للانتخابات المبكرة لإقناعها بالعودة إلى المشاركة في الاستحقاق الانتخابي وتحذيره من مقاطعتها، إلا أن الرفض الشعبي في المقابل يتسع بنحو غير مسبوق.

العراقيون لم يعودوا يثقون لا بالأمم المتحدة ولا بمبعوثتها للعراق، وهم أصلا لا يثقون بالحكومة، وجاء ذلك عن تجارب مريرة استمرت 18 سنة لم يلمسوا أن شيئا مما حدث صبّ في مصلحتهم، وإنما المكاسب كلها تذهب إلى السياسيين ومحازبيهم.

الخراب المتواصل الذي يشهده العراق منذ أول يوم للاحتلال في أبريل 2003 إلى الآن، خلق وعيا خلاقا لدى أبسط عراقي، ثم جاءت ثورة الشباب العراقي في الأول من أكتوبر 2019 لتبلور هذا الوعي وتوجهه. وهذه الثورة هي التي فرضت إجراء انتخابات مبكرة لكن أحزاب السلطة ماطلت وأجلت موعدها، حتى إذا أعدّت هذه الانتخابات على مقاسها أعلنت إجراءها في العاشر من الشهر المقبل، أي بعد سنتين من انطلاق ثورة الشباب وبعد عشرة أيام من ذكراها الثانية.

لا يحتاج أحد لكي يلمس الرفض الشعبي الواسع للانتخابات إلا أن يشاهد كيف يستقبل المواطنون السياسيين عندما يذهبون للترويج إلى قوائمهم، وأبرز هذه المشاهد استقبال رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في محافظة كربلاء، وهي المحافظة التي ولد في أحد أقضيتها، إذ تم استقباله بهتاف مزلزل هو “أبو المحابس والسبح ارجع لبسطيتك”، ولمن لا يعرف اللهجة العراقية فإن معنى الهتاف هو “يا بائع الخواتم والمسابح عد إلى المكان الذي كنت تمارس فيه مهنتك هذه قبل الاحتلال”.

28 شعارا يحض العراقيين على مقاطعة الانتخابات انتشرت بينهم وألصقت على دعايات المرشحين الترويجية، وهم يتداولونها بسرعة ما يشير إلى تأثيرها فيهم، من بينها: “الإرادة العراقية الحرة ترفض المشاركة في الانتخابات ليوم 10/ 10 القادم فعلى أبناء شعبنا مقاطعتها”، و”قاطعوا الانتخابات لأنها طريق العملاء والميليشيات في السيطرة على مقدرات العراق”، و”أخي المواطن صوتك شرفك فمن لا ينتخب يحافظ على شرفه”، و”مطالب ثورة تشرين (أكتوبر) لا تتحقق إلا بمقاطعة الانتخابات”، و”لا عراق حراً ديمقراطياً يسوده القانون بوجود الأحزاب الطائفية العميلة في حكم العراق”، و”الشعب العراقي قرر عدم المشاركة في الانتخابات وسيُهزم المزوّرون”، و”حرائر العراق يعاهدن الشعب بالمقاطعة والامتناع عن التصويت وفاءً للكرامة العراقية..”.

العراقيون أتقنوا اللعبة السياسية وتفننوا في تفكيكها وفهمها وكشف أكاذيبها وأضاليلها وذاقوا الأمرّين منها، لذلك أيقنوا أن الحديث عن انتخابات برلمان الخضراء يقترن بظاهرة تزوير الأصوات المعدة مسبقا في غرفة العمليات السوداء للأحزاب وميليشياتها وفق لعبة الطائفية وتبادل المنافع وتوزيع الأسلاب وما تفضي إليه سوق بيع المناصب الوظيفية والمواقع السياسية. إذ كان البرلمان الزائف، منذ قيام انتفاضة شباب أكتوبر على اللائحة السوداء، فهو البرلمان العائم على فضائح لها أول وليس لها انقضاء بخلاف التزوير المتكرر وتدخلات ولاية الفقيه. وكان هناك النواب الفاسدون الذين حوّلوا البرلمان إلى سوق عمل لتمرير صفقات تجارية مشبوهة وعقود وهمية ورشى علنية.

إن قوائم انتخابية وبعضها كان أساسيا في الانتخابات السابقة ما زال على قراره بمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها ضمن قرارات اتخذها بصفة منفردة، خلال الشهرين الماضيين، أبرزها “الحزب الشيوعي العراقي”، و”البيت الوطني”، وحركة “نازل آخذ حقي”، و”اتحاد العمل والحقوق المدنية”، و”التيار المدني العراقي”، بالإضافة إلى “المنبر العراقي” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، و”جبهة الحوار الوطني”، وحزب “التجمع الجمهوري” بقيادة عاصم الجنابي. وقد أوردت تلك القوى جملة من الأسباب التي دعتها للمقاطعة بدت متقاربة في ما بينها، من أبرزها تلك المتعلقة بالسلاح المنفلت وسيطرة الفصائل المسلحة على المشهد في مناطق واسعة من العراق والمال السياسي، وعدم جود ضمانات حول نزاهة الانتخابات وعدم التلاعب بنتائجها.

ونهاية الشهر الماضي، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تراجعه عن قرار مقاطعة الانتخابات، مشيرا حينها إلى أن قرار المشاركة في الانتخابات جاء بعد تسلمه ورقة إصلاحية من القوى السياسية لم يكشف عن فحواها، مكتفيا بالقول جاءت “الورقة وفقا لتطلعاتنا، واقتضت المصلحة أن نخوض الانتخابات بعزم وإصرار”.

رأى بعض المحللين أن عودة الصدر كانت من الشرور النافعة لأنها قطعت الطريق أمام رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في الوصول إلى هدفه بسهولة.

يرى العراقيون أن الانتخابات المقبلة ستعيد تدوير نفايات الاحتلال، وقد عبّر عن ذلك بوضوح عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد سابقا الدكتور عبدالرزاق الدليمي عندما قال “إن المحاصصة الطائفية تطلّ مرة أخرى، على منوال ما حدث في جميع الدورات الانتخابية السابقة، وإن المدقق في قوائم الأحزاب والكتل السياسية يكتشف أن جميع التحالفات القائمة، حاليا، مبنية على أساس طائفي أو قومي، فهناك تحالفات طائفية محضة، فضلا عن التحالفات الكردية، ما يجعل الشارع العراقي أمام الظروف والأوضاع نفسها التي يرفضها العراقيون والتي هي تكرار للوضع الانتخابي السابق وتدوير لنفاياته المرفوضة من الشعب العراقي ولكنهم يقدمونها بمسميات جديدة”.

لكني أختلف مع رأي الدبلوماسي السابق الدكتور غازي السكوتي في ذهابه إلى أن الرأي العام العراقي منقسم، لأن هناك مواطنين مرتبطين بالأحزاب التي تخوض الانتخابات وبالتأكيد سيصوت هؤلاء لصالح الأحزاب التي تعبّر عنهم، كما يوجد الملايين من الشباب الذين تظاهروا وعبروا عن سخطهم عما يجري في العملية السياسية والمشكلات الاقتصادية والفساد المالي والبطالة والجوع والفقر وانعدام الأمن وغيرها من المشكلات التي تؤرق الشعب العراقي الذي عاش في مُعاناة حقيقة منذ عام 2003.

ومبعث اختلافي مع السكوتي أن قلة قليلة ترتبط بأحزاب السلطة بالمقارنة مع شعب رافض لا يسمى انقساما، لأن الانقسام يجري بين كتلتين متساويتين أو قريبتين إلى التساوي، ومع ذلك يفيدنا السكوتي بأن شباب ثورة أكتوبر لا يثقون بالانتخابات ولا يثقون بالعملية السياسية، وهم يمتنعون عن المشاركة في التصويت بالانتخابات البرلمانية في العراق، مذكرا بأن انتخابات 2018 قُوطعت من 82 في المئة من الشعب العراقي، وكانت هناك انتهاكات خطيرة في الانتخابات. لذا لا يمكن الوثوق بشرعية دستورية أو سياسية للسلطات بسبب استمرار طبقة الفساد التي تحتكر السلطة وتقوض أي فرصة للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.

إن ثورة أكتوبر تمتد تأثيراتها إلى الموقف من الانتخابات ومن القوائم ومرشحيها، يلحظ ذلك الكاتب الدكتور شاكر كتاب في حملة المقاطعة بأنواعها البسيطة والشديدة التي تصل إلى حد تمزيق لافتات وصور الخائضين فيها باندفاع غير مدروس. ويعتقد كتاب أن الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات استجابت بذلك إلى إرادة الشعب وثورة أكتوبر وعموم الحراك الوطني الرافض لظواهر الفساد والارتهان للأجنبي، وأكثر من هذا فإن الوعي العام الذي تغيّر بتأثيرات ثورة الشباب في أكتوبر وتداعياتها ستخضع نتائجها هي الأخرى لما نلحظه من مواقف رافضة لفكرة المشاركة فيها.

خلاصة القول، إن العزوف عن الانتخابات في العاشر من الشهر المقبل سيلقي بظلاله حتما على نتائجها، إن لم يكن سيلغي الانتخابات نهائيا.

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال