الانتصار لقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة، لا ينبغي أن يفهم كما لو أنه اصطفافا ضد الدولة، بل على العكس من ذلك تماما، هو الخيار الأسلم لتمنيع هذه الأخيرة، وتحصينها، وتقويتها أكثر، لأن الطبيعة تخشى الفراغ، ولأن العمل الحقوقي والحزبي والنقابي الجاد والمسؤول، هو الذي يشكل صمام الأمان الحقيقي لأي بلد يهمه الأمن والاستقرار.
أعداء الدولة الحقيقيون، هم من يروجون لمثل هذه الطروحات المفلسة، وهم من يسعون إلى زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وتحطيم آليات الوساطة في المجتمع، وخلق مناخ غير طبيعي، في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة!
الفكر السلطوي في دولة مثل المغرب، توجه خاطئ، ولا يمكن للسلطوية بمختلف تمظهراتها، أن تصبح بديلا عن الديمقراطية، في دولة ضحى أبناؤها بالغالي والنفيس، من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة!
من هذا المنطلق، فإن من يدافع عن أطروحة ضرب العمل الحقوقي الجاد، أو التشكيك فيه، وفي أهدافه النبيلة، بوعي أو بغير وعي، فهو الذي يدفع بالبلد إلى المجهول، ويعمل على خلق الفجوة بين السلطة والمجتمع!
لا ينبغي لأي فاعل كيفما كان موقعه، أن يكون مفرطا في التشدد (دينيا، أو سياسيا، أو حقوقيا) بل يتعين عليه أن يكون معتدلا في توجهاته، لأن خير الأمور أوسطها كما يقال!
التشدد غالبا ما يفضي إلى الاحتقان، والبلد لا يحتمل هذا الأمر، وعلى العقلاء فيه أن يعملوا جاهدين على إيجاد مخرج لسوء الفهم الحاصل اليوم في علاقة السلطة بالمجتمع، لأنهما يشكلان وجهان لعملة واحدة.
الدولة ينبغي أن تكون في خدمة المجتمع، بكل مكوناته، والمجتمع يتعين عليه أن يكون واعيا بإكراهات الدولة الموضوعية، ومتفهما لها. أما سياسة شد الحبل، فلن تنتج إلا الخراب، والدمار، والتخلف، والبؤس، وتفوت على الدولة والمجتمع معا فرص ثمينة للنهوض بالبلد وتنميته اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وحقوقيا!
أشعر بالكثير من الألم عندما أرى الزمن السياسي في بلدي، يتم هدره في أمور تافهة، عوض استثماره بشكل جيد في بناء مغرب الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية. المغرب الذي يمكن للجميع الإفتخار به (دولة ومجتمعا) في ظل وجود ثروات بشرية وطبيعة هائلة، وموقع جغرافي استراتيجي ومتميز، وتاريخ عريق لبلد يجر خلفه الكثير من الحضارات التي تركت بصمتها وآثارها فيه!
أكبر جريمة في حق الوطن، هي العمل بسوء نية على ضرب بنياته الحزبية، والمدنية، والحقوقية، والإعلامية، لأن هذه البنيات مجتمعة، هي التي تشكل صمام الأمان الحقيقي للأمن والاستقرار في البلد، وليس هناك أي طائل من خلق بنيات مضادة، للتحكم في كل شيء!
التوحش يفضي حثما إلى توحش مضاد، والتشدد في تدبير أمور الدولة بدون سبب، يدفع المراقبين إلى طرح العديد من علامات الاستفهام المشروعة، حول أهداف ذلك، والغاية منه، وأفقه؟
بعد خطاب 9 مارس 2011 أصبح منسوب الثقة في الدولة عال جدا، غير أنه خلال الفترة الفاصلة بين انتخابات 25 نونبر 2011، وانتخابات 7 أكتوبر 2016، انقلبت الأمور رأسا على عقب، وأصبحت انتظارات المواطنين في الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، في مهب الريح، وكأن هناك من يرى في مطلب الانتقال إلى الديمقراطية بالمغرب جريمة ينبغي مكافحتها بكل السبل، وهذا خطأ فادح وفيه هدر كبير للزمن الديمقراطي في المغرب!
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال