Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

مصر.. هذيان الثورة والسلطة العمياء

انتهى يوم الجمعة الذي دعا له المقاول للثورة دون استجابة شعبية للمظاهرات كما قلنا، فالدعوة للمظاهرات بهذا الشكل الأحمق دليل على غياب الرؤية عند المعارضة وفقدانهم للقادة والخطط والتمويل والحضور اللازم لحشد الناس أو تنظيم أفكارهم في البيوت..
هنا أطرح عشرة نقاط توضح لماذا فشلت المظاهرات نصائح للحكومة المصرية في سياق تلك الدعوة، فالسمة العامة للأزمات السياسية هي الخلط وغياب المعلومة مما يؤدي لغياب الرؤية بشكل كلي أو جزئي:
أولا: رفض الناس النزول ليس لحبهم السلطة بل لخوفهم من الداعي المجهول وتأثر فئة كبيرة ببروباجاندا السقوط والفوضى التي روّج لها النظام فور مؤتمر الشباب، الناس لا يعرفون ولا يثقون في محمد علي..هم صدقوه في دعوى الفساد لكن الثورة شئ آخر، هذا الجهل بقواعد وطبيعة الثورات سببه اعتماد المقاول خطاب تعبوي مستغلا قبوله كشاهد على وقائع فساد ضد قيادات الدولة، فالانتقال من وضعية الشاهد إلى وضعية الزعيم في تلك الحالة تصرف عبثي أضاع كثيرا من جدوى اتهامات الفساد بل يشكك في حقيقتها باعتبارها كانت مقدمة لفوضى حسب تعبير المؤيدين، مما يعني أنه لو ظل المقاول شاهدا لكان أفضل، فالثورات يلزمها قادة وخطط وبرامج وأفكار ولا تعتمد فقط على خطاب تعبوي من شخص مجهول.
ثانيا: مصر تعاني من استقطاب حاد وتوترات اجتماعية وإعلامية وسياسية بدأت بعد يونيو على ثلاثة موجات، الأولى موجة اعتصام رابعة وانتهت، الثانية موجة تيران وصنافير أيضا انتهت، والثالثة هذه المرة ولم تنتهي بعد..أي وارد تكون هناك توترات مصدرها المقاول وخصوم السلطة الذين سيمدوه بالمعلومات لاستغلال حالة الانتشار التي حظي بها، فالسلطة أخطأت بتوسيع قاعدة معارضتها داخل وخارج البلاد عن طريق اتهام كل ناقد ومعارض بالخيانة والتفتيش في حياته الشخصية وفضح أسراره أحيانا، سلوك مثل هذا يثير نقمة المجتمع على السلطة ولا يتوقف ذلك على المتضررين لاسيما أن أسلوب الفضح والتخوين هذا يتم بوسائل غير قانونية كنشر التسجيلات ، وقديما قلت أن أي سجين سياسي وفكري الآن هو مشروع ثائر في المستقبل والتاريخ يشهد أن معظم قادة ثورة يناير كانوا مساجين لمبارك والسادات..
ثالثا: في فلسفة الثورات أي توترات اجتماعية وسياسية يعقبها ثورة بشكل مؤكد، هذا في حال استمرار تلك التوترات ستنتهي في الأخير على شكل ثورة أو انقلاب أو تغيير جذري من نوع ما، وبالتالي ليس من مصلحة السيسي إبقاء هذه التوترات..عليه أن ينهيها أو يعالج أسبابها كي يستمر أو تظل الفئة العسكرية حاكمة، وأقل ما يمكن فعله هذه الأيام هو فتح المجال العام والبدء في إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية حقيقية تهدف لضمان حريات الناس ورفع مستوى معيشتهم، لو لم يحصل ذلك فاستمرار التوترات كافي جدا بعزل السلطة كليا عن الشعب مثلما عزلت الآن جزئيا من أثر الموجات الثلاث التي تحدثنا عنها، فتوالي الموجات يخصم من شعبية الحكومة في كل مرة حتى يصل الرئيس لمرحلة ما لا يجد صوته مسموعا.
رابعا: ظهور الموجات الثلاث يعني هناك موجة رابعة وخامسة في حال البدء بإصلاحات ستنتهي أو يقل مفعولها ، وتذكروا أن غلق المجال العام الآن غير مجدي، فالإعلام الحكومي المغلق لم يعد مؤثرا وقناة يوتيوب معارضة واحدة أصبحت مؤثرة في الشعب سياسيا أكثر من عشرات القنوات الحكومية المصروف عليها مليارات، ناهيك عن قنوات فضائية معروفة تروج لوجهة نظر المعارضة هي حسب الاستطلاعات أكثر مشاهدة من قنوات الدولة، ناهيك أيضا عن تأثير مواقع التواصل وبرامج الاتصالات السرية..
خامسا: ظهور بعض الفنانين لتأييد الرئيس بهذا الشكل عمل قبيح جدا وله أثر سلبي على الفنان، ليس لأنه عرض وجهة نظره الشخصية بل لاضطراره أن يظهر بشكل سئ مرتجل خالي من الإبداع الفني، تذكروا أن مبارك عندما أراد الحصول على دعم الفنانين كان يعقد حفلات وأوبريتات وأعمال فنية لهم..الممثل رأيه السياسي مجردا ليس له قيمة..لكن لو عرضه بشكل إبداعي فني سيكون مؤثرا أكثر، واضطرار ظهور الفنانين بهذا الشكل المرتجل يكشف عن عقلية ضحلة توجههم هي السبب في أزمة الفنون حاليا..
سادسا: عدم اعتراف الرئيس بأخطائه والاستمرار في استعلائه على معارضيه يؤدي لانهيار تدريجي لقيم المجتمع، حتى يصبح قانون القوة هو الحَكَم..أي سلطة رشيدة من مصلحتها تحكيم العقل وفتح المناقشات السلمية، القوة تؤدي إلى تولى المتطرفين السلطة والظهور في الإعلام مما يؤدي لكثرة الشكاوى والمظالم التي لن تصل للمسئولين ولا يمكن حلها..هنا فقط تنهار السلطة تدريجيا وبفعل تأثير موجات التوتر التي أشرنا إليها يحدث الانفجار..
سابعا: في الثورتين الروسية والفرنسية ثار الناس على الطبقة الأرستقراطية الحاكمة ليس فقط لأنها ظالمة ، بل لأنها لم تدافع عنهم ضد أخطار الحياه، الفقر هو أكبر ما يهدد حياة الشعب وعدم علاج الحكومة المصرية مشكلة الفقر سيثور الناس حتما، هنا تصبح السلطة العسكرية الحاكمة متساوية مع أرستقراطيي فرنسا وروسيا، فمفهوم الحماية ليس فقط عسكريا بل غذائيا بشكل مقدس، ولا أفهم كيف يطمئن زعيم ما على كرسيه والفقر ينهش في أجساد الفقراء لاسيما أن هؤلاء الفقراء يسمعون إعلام المعارضة ونموذج المقاول كاشف إلى أين وصل الرأي العام في التفاعل مع أي خبر ومعلومة ضد السلطة حتى لو كانت قيادات الجيش.
ثامنا: أسباب وعوامل نجاح الثورات أغلبها متحقق في الحالة المصرية، فالتمييز الطبقي موجود بين المؤيدين للحكومة ومعارضيها سواء من ناحية الوظائف أو الصحافة والإعلام أو حرية التظاهر، يخلق ذلك نفور شعبي من الحُكم لحصر الامتيازات لصالح أقلية، السبب الثاني: عدم كفاءة الحكومة بارتفاع معدلات الفقر والديون وانخفاض مستوى المعيشة الحاد، كذلك ميل شريحة جماهيرية كبيرة لرؤية المعارضة بشقيها العلماني والإسلامي، أما الذي يعطل الثورة إلى الآن ليس جماهيرية السلطة فهي عاجزة عن الحشد ولم تعد بالقوة الشعبية التي كانت عليها في يونيو ومظاهرات التفويض..بل الذي يعطل ثورة الناس هو فقط (القوة الأمنية) مما يعني أنه لو وصل الناس إلى مرحلة فيها يأمنون من بطش الأمن سيثورون، أو قد تشتعل ثورتهم لسبب ثانوي غير سياسي يتطور بعد ذلك لمطالب سياسية كما حدث في تونس التي بدأت ثورتها من مطالب بسيطة لتاجر فقير وبعد حرق نفسه اشتعلت الثورة في كل أرجاء البلاد.
وكما قلت أن استمرار التوتر والأحداث المثيرة يزيد من فرص الثورة، والواقع يشهد أنه مع كل إجراءات حكومة مصر لخنق المجال العام والإبقاء على رأي واحد ومصلحة واحدة بل على شخص واحد لم يفلح في منع خروج موجة ثانية وثالثة ضد السلطة حصلت في بعض جوانبها على الشعبية بعيدا عن أذرع الدولة، وأسباب ذلك متعددة منها عدم الشفافية والاستهزاء بعقول المثقفين عن طريق خطاب رئاسي ضعيف وعاطفي على وزن صدقوني وأنا شريف وما إلى ذلك، فالمثقف بوصفه قائدا وموجها للرأي العام يسخط على هذا الأسلوب المتدني ويطالب الرئيس بالوضوح واحترام القانون، وكان من ضحايا ذلك السفير "معصوم مرزوق" الذي اعترض على هذا الخطاب فكان مصيره السجن، وحاليا يشيع هذا السخط بين أساتذة الجامعات والمفكرين ومشاهير التواصل الاجتماعي.
تاسعا: تنتشر في مصر إشاعة تزوير السلطة للانتخابات بعد الشكل المسئ التي ظهرت عليه انتخابات رئاسة مصر 2018 من اعتقال وتهديد كل المرشحين ثم توزيع الرشاوى الانتخابية على الفقراء من قبل حزب مستقبل وطن الموالي للحكومة..مما أشعر السلطة بالحرج لتخرج ببيان يدعي أن الرئيس لا ينتمي لذلك الحزب، مما يعني أن دعاوى إقناع الجماهير بشعبية السلطة ليست مجدية..ففي ظل غياب النزاهة الانتخابية لا يمكن الحديث عن أغلبية مؤكدة..هذه تحكمها اتجاهات الرأي العام الحر وتفاعل الناس مع الأحداث دون خوف، أقول ذلك لأن سماع المواطن كلمة الشعب من الإعلام المؤيد سيعتبرها إهانة ومصادرة لشخصيته مما يرفع لديه معدل النقمة والغضب والاحتجاج على ما يحدث..
عاشرا: يجمع فقهاء السياسة بشكل غريب أن الطبقة الوسطى هي التي تحرك الثورات، وهذه الطبقة تضررت في مصر من جراء كبت الحريات أولا والسياسة الاقتصادية ثانيا، تآكل هذه الطبقة يعني غضب مكتوم سيخرج على شكل تصرفات تضعف البيروقراطية المصرية الحامية والمدافعة عن الحكومة..ضعف البيروقراطية يضعف مؤسسات الدولة التي يدين أتباعها بالولاء للنظام ، ويشكلون نسبة ما فوق 70% من مؤيديه شعبيا وألكترونيا..نشاط الطبقة الوسطى في خلخلة وحلحلة تلك المؤسسات يعني انهيار أكثر وأهم جدار يستند إليه النظام العسكري المصري..وقتها سيجد الناس أنفسهم وجها لوجه أمام الجيش مما يضع القيادات بين خيارين كلاهما مر، لذا فعلى النظام إذا أراد الاستمرار إلى سنة 2030 أن يتصالح مع تلك الطبقة ويجيب عن مخاوفها.
يعتبر ظهور المتطرفين سواء من جانب الحكومة ومن المعارضة يعني أن الثورة على المحك، فغياب المعتدلين وأصحاب الأفق العالي من شأنه زيادة نسب التوتر التي أشرت لها في المقدمة باعتبارها العامل المساعد لاشتعال الثورات، هذا سببه الأول ضعف المعتدلين وسيطرة جهلاء على الدولة مما يؤدي بالتبعية لغياب العقل الإداري الناجح والقادر على التواصل السياسي والإعلامي بشكل جيد، ولعل الاتفاق موجود الآن بين المؤيدين والمعارضين على سوء الإعلام المصري وتصدر شخصيات كريهة هي محط سخرية واستهزاء الشعب بجميع أطيافه على مواقع التواصل.
أخيرا: كان هذا استعراضا سريعا لنصائح وطنية مخلصة للحكومة المصرية على أمل تجاوز أزمة الوطن بأمان، ووصلت فيها لضرورة خفض التوتر الناجم عن سيطرة المتطرفين والجهلاء على الشأن العام وتصدرهم الساحة الإعلامية والسياسية، والبدء فورا في خطة إصلاح شاملة لجهاز الدولة وعدم الاكتفاء بالذراع الأمني كحل وحيد، فالعاقل هو من يعدد وسائله لحل الأزمات ويكتشف علاجها بشكل إبداعي أو طبيعي حتى، المهم أن ينوي الإصلاح من داخله كمسئول..والأهم من ذلك كله عدم الاستهانة بما يحدث من توترات وأخذ العظة والعبرة من التاريخ والأنظمة المصرية السابقة بالخصوص..

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال