Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

في ذكرى انتهاء الحرب العراقية الايرانية

 

في صيف قائض لشهر اب في بغداد سنة 1988 كانت هنالك اجسام منهكة لكن بروح متمردة ومناضلة لعشرات الاشخاص من كافة التوجهات السياسية المختلفة العراقية، تقبع في زنازين قاطع الاعدام في سجن (ابو غريب) المعروف. هذه السلخانة البشرية التي استعملها النظام العراقي السابق ضد نشطاء واعضاء الاحزاب الوطنية العراقية المختلفة، واستعملها من بعده الامريكان ضد من وقف بوجه احتلال العراق ومن اصطف معهم. حيث اصبحت له شهرة عالمية بعد ان كان صيته معروفا فقط بين ابناء ااشعب العراقي.

في مساء احد تلك الايام حيث ان اغلب الموجودين هنالك لم يكن يميز بين تواريخ الايام لانقطاعهم عن العالم الخارجي بشكل كامل، حيث كانت كل وسائل الاعلام والاتصال ممنوعة كالمذياع او الجرائد، او حتى مجرد السؤال من السجانين. وكان السبيل الوحيد لذلك هو انه لدى الحكم على اشخاص جدد من قبل (محكمة الثورة) وجلبهم لقاطع الاعدام، كنا نعرف منهم بعض الاخبار عما يدور في الخارج (خارج السجن). لكن الجميع كان يعرف ايام الاحد والاربعاء لانه كان يتم تنفيذ احكام الاعدام بحق المحشورين في هذه السلخانة البشرية. وقد صادف ذلك المساء ان كان يوم 8/8/1988، عندما سمعنا اصوات الطبل واطلاق الطلقات النارية ومنبه السيارات بكثافة من الخارج، وايضا من (قافات) الاحكام الثقيلة الذين كانوا الاقرب لقاطع الاعدام، ولكننا لم نكن نعرف ما الذي حدث. لكن كان هنالك ضمن السجانين اشخاص لديهم جزء ضئيل من الشعور والاحساس الانساني بالحال لالمزري هؤلاء المسجونين والذي كان كل منهم ينتظر يوم موته، لكن الخوف من العقاب كان رادعا لاتخاذ اي موقف انساني من قبل السجانين. لكن كان هنالك شخصين من السجانين يختلفون نوعا ما عن الاخرين احدهم كان اسمه (جمعة) وهو شيعي من جنوب العراق، والاخر كان اسمه (حاتم) وهو تركماني لكن لم نعرف من اي محافظة عراقية هو، في حين كان الاخرون كلهم يتصفون بالقسوة الزائدة والذين اتذكر منه (ابو قاسم – ابو سعدية - عائد – ابو سلام) وغيرهم. فقد صادف ان کانت الخفارە المسائية لذلك اليوم للسجان (حاتم الترکمانی) حیث سألته ماالذي حدث في الخارج ؟ فقال لي همسا بان الحرب العراقية الايرانية قد توقفت بعد موافقة (اية الله الخوميني) على وقف اطلاق النار، ولكنه اوصاني بانه في حال افشائي الخبر للاخرين في الزنازين سيؤدي ذلك الى معاقبته وربما تصل الى الحكم عليه بالاعدام. توقيع وقف اطلاق النار وانهاء هذه الحرب التي استمرت لثمانية سنوات التي ادت الى ازهاق ارواح مئات الالاف وجرح اضعافهم، وتهجير مئات الالاف من أبناء الشعبين العراقي والايراني، واسر ما يماثلهم والذي مصير الكثير منهم لا زال مجهولا لحد الان، بالاضافة الى افراغ خزينة الدولة العراقية من العملات الصعبة للصرف على هذه الحرب، وقع هذا الخبر ادى الى ان يمر في ذهني كشريط سينمائي عشرات الحوادث والصور حول تسليم جثث ضحايا الحرب لذويهم، وحالات الهلع والصياح والهستيريا لذويهم. وكنا قد استبشرنا خيرا من ذلك لاثره على الشعبين، وربما علينا ايضا حيث قمت بنقل الخبر الى الاخرين بعد التعهد بعدم اظهار اي علامات من الفرح امام السجانين، وفعلا توقفت حملات الاعدام في ايام الاحد والاربعاء لحوالي اسبوعين. لكن لايمكن للنظم الفاشية ان تتنازل عن صفاتها وحبها لاراقة الدماء والجريمة، حيث بدأت بعد ذلك حملات الاعدام وكانت الوجبات اكبر بحيث وصلت احداها الى اعدام 29 شخص في یوم واحد، واستمرت تلك الحملات بحيث اتذكر اسماء البعض من الذين تم تنفيذ حكم الاعدام بهم منهم ( ابو رشا نائب ضابط من قيادة القوة الجوية في العلوية، وكان متهما بسب وشتم شخص الدكتاتور). (محمد هادي السبيتي احد قيادات حزب الدعوة الاسلامي، والذي كان مهندسا قد تم خطفه من الاردن سنة 1981، وبقي سبع سنوات في حاكمية محكمة المخابرات العامة، ثم ستة اشهر في مديرية امن بغداد، و بعد ذلك شهرين في مديرية الامن العامة، حيث حوكم بعدها من قبل محكمة الثورة بالاعدام، ويسمى في ادبيات حزب الدعوة ب (القائد) لانه كان يقود تنظيمات حزب الدعوة عن بعد من الاردن).( مطر، شاب من الجنوب) ( ضياء – ناجي – قاسم – ميثم وثمانية اخرين لا اتذكر اسمائهم كانوا متهمين بالانتماء لمنظمة العمل الاسلامي، ومحاولة اغتيال عدي صدام حسين في فندق شيراتون). )العقيد ايدن، وهو تركماني كان ضابطا في قيادة القوة الجوية في العلوية، اتهم بالتجسس لصالح تركيا لكون اخته او زوجته كانت قد عينت في السفارة التركية في بغداد ولم يقم بابلاغ المخابرات العراقية بذلك. على عكس ما يشاع بانه رفض ضرب حلبجة بالكيمياوي، حيث كان موقوفا وفي فترة التحقيق لدى قصف حلبجة بالكيمياوي، وكنت قد تحدت معه شخصيا في حينه حول تهمته). (مام عباس، الخبير المخابراتي وكان مواطنا كرديا ايرانيا من مدينة مهاباد، حيث كان برتبة رائد في السافاك الايراني لدى سقوط نظام الشاه سنة،1979، لجا بعدها الى العراق وعمل مع المخابرات العراقية ثم اعتقلوه لسبب لم يفصح عنه). (الشاب الجميل عبدالباري الذي لم يبلغ العشرين من عمره ومن مدينة الجبايش، اتهم بالانضمام الى مفارز مسلحة لمقارعة النظام في الاهوار، والذي سبق وان تكلمت عنه في مقال).(عامر شاب من مدينة الثورة في بغداد، اتهم بالانتماء الى منظمة الشباب المسلم). ( اوسو الشاب البطل من قرية بيركوت التي اصبحت الان جزا من مدينة اربيل حيث كان متهما بالانتماء للحزب الاشتراكي الكردي (الباسوك)، فقد جاءت مفرزة كاملة من الجلادين لاقتياده فقط الى المشنقة، وجاء ليودعني وقال لي لا تحزن لان كل شخص يعدم هنا هو بمثابة مسمار في نعش النظام). (العميد رشيد يونس من مدينة دهوك، وكان مدير المدفعية العراقية، اتهم زورا وبهتانا بالاختلاس، لكن خوف الدكتانور من كل ضابط رفيع من القومية الكردية كان السبب الحقيقي وراء اعدامه، علما انه قد قص علي في حينه قضيته وظروف اعتقاله). (الشباب التركمان السبعة من كركوك الذين اتهموا بمحاولة الهروب الى تركيا، وتشكيل (شبه تنظيم معادي)، واتذكر اسماء اربعة منهم فقط، محمد اياد، شوكت، جنكيز، وبهجت). (الاخوان الثلاثة من السماوة، اللذين اتهموا بالهجوم على قطار وسلبها). واخرين لم اعد اتذكر اسمائهم وانا اتذكر وجوه اغلبهم خاصة بعدما سنحت لي الفرصة عندما اصبحت (عنقرجي) اقوم بتوزيع الوجبات الثلاثة للطعام عليهم لمدة اسبوع وربما اكثر، بعد ان تم تنفيذ الحكم بالعنقرجية كل من(عامر اولا ومن ثم عبدالباري ثانيا).

ان هؤلاء الشهداء هم الذين تم تنفيذ حكم الاعدام فيهم فقط في تلك الفترة، اما الذين نفذت فيه حكم الاعدام قبل ذلك وبعد ذلك وخلال فترة الخمسة اشهر التي مكثت فيها في زنازين الاعدام فهم كثيرون، اتذكر الكثير منهم وقسما منهم كانوا اصدقائي، حيث مجموع الذين تم تنفيذ احكام الاعدام فيهم خلال تلك الفترة كان 219 شخصا، ولكن للاسف لم اعد اتذكر اسماء الكثير منهم.

ذكرى انتهاء الحرب العراقية الايرانية مرت علينا قبل ايام، وعلى الرغم من كل الماسي التي سببتها تلك الحرب المجنونة لابناء الشعبين العراقي والايراني، وباختلاف المواقف منها الان، خاصة وان قسما من الطبقة الحاكمة الان في بغداد الذين كانوا موجودين في سجون النظام حينها، وان ابنائهم او اقربائهم اصبحوا ضحايا تلك الحرب وهم لا زالوا داخل السجن. لكنهم اصبحوا الان حريصين على الموالاة لايران وتنفيذ اطماعها في العراق اكثر من حرصهم على ابناء جلدتهم من العراقيين. لكن مع كل ذلك فان تاريخ 8/8/1988 يذكرني بجرائم النظام في اعدام خيرة ابناء الشعب العراقي، والبدأ بحملة (خاتمة الانفال) ضد ابناء كوردستان التي راح ضحيتها عشرات الالوف من الكهول والشباب والنساء والاطفال.

لكن هل ان ساسة العراق الان مخلصين للحد من اراقة دماء العراقيين في سبيل صراعهم على السلطة لنهب اموال العراق؟

انا لا اعتقد ذلك.

واعتقد هذا رايكم ايضا

سربست مصطفى رشيد اميدي

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال