Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

مقاربة سيميائية في قصيدة “أمل”.. لشاعر الجرح الفلسطيني محمود درويش

 

مازال في صحونكم بقية من العسلْ

مازال في كرومكم عناقد من العنبْ

ردوا بنات آوى

يا حارسي الكروم

لينضج العنبْ…

مازال في بيوتكم حصيرةٌ…. وبابْ

سدوا طريق الريح عن صغاركم

ليرقد الأطفال

الريح بردٌ قارسٌ ..

 فلتغلقوا الأبوابْ …

مازال في قلوبكم دماءْ

لا تسفحوها أيها الآباء …

فإن في أحشائكم جنين …

مازال في موقدكم حطبْ

وقهوةٌ .. وحزمةٌ من اللهبْ…

  يسعى هذا البحث الى محاولة مقاربة قصيدة أمل لمحمود درويش ، وهو من أهم الشعراء المعاصرين الذين إرتبط إسمهم بشعر الثورة ، والوطن المسلوب ، وطن من يمتلكه من لا يستحقه .

ولذا اخترنا المنهج السيميائي إجراءا ، من أجل تفكيك شفرات هذا النص ، بداية من العنوان الذي يعد عتبة نصية ، بوصفها علامة مهمة للدخول لعالم النص ، والإنتقال إلى مرحلة أخرى تتمثل في رصد الشخصيات، والبحث عن الزمكانية التي تدور في فلكها القصيدة ، وصولا إلى سيمياء الدلالة كل هذا من أجل كشف أبعاد التجربة الشعرية للشاعر محمود درويش .

غدا النص الأدبي بؤرة إهتمام المناهج النقدية على إختلاف طبيعتها ، ومنطلاقاتها الفكرية ، ومفاهيمها النظرية وآلياتها الاجرائية.

وإن دل ذلك على شيئ ، إنما يدل على أنّ النص الأدبي يتوافر على إمكانيات لغوية ، ويطفح بقيم شعورية وتعبيرية دسمة تغري الاقبال عليه ، لتقصي ظواهره وقيمه ورموزه الدلالية ، ومن بين المناهج التي عنيت بالنص السيميائية وهي في أبسط مفاهيمها “علم العلامات” ، ومن خلال هذا الطرح يرد إلى الذهن جملة من التساؤلات أهمها: ماهي أهم الاليات الاجرائية التي ترتكز عليها السيميائية في هذه القصيدة ؟ وماهي أبرز الثيمات الطاغية ؟ وكيف يمكن للمنهج السيميائي إستخلاصها؟

سيمياء الشكل العام والبياض : / 1

  إن المتأمل لقصيدة ” أمل ” ، يجدها قصيدة حداثية من ناحية الشكل (بنائها الهندسي) ، فقد خالفت القصيدة نظام القصيدة العمودية والتي تعتمد على نظام الشطرين متكونة من (صدر/عجز) والتي قال عنها باشلار قصيدة العبقرية الرتيبة، فجاءت على شاكلة الأسطر منتمية إلى أحد أهم أنواع الشعر والمتمثل في “الشعر الحر”، متكونة من [16] سطر ، يحكمه نظام عروضي خاص بالشعر الحر ، فنجد أن هذه الأسطر تارة تطول وتارة تقصر ، وذلك راجع للحالة الشعورية المتدفقة للشاعر ، فكلما ضاق صدره إنفرج مجال القول، لكن لماذا جاءت القصيدة بهذه الشاكلة؟

يمكننا القول أن هذه كتبت بهذه الطريقة إستجابة لمعايير الحداثة ، وروح العصر مخلخلة مفهوم القصيدة التقليدية على حسب المجددين.

  والملاحظ لهذه القصيدة يجد بأن النص الشعري هو من أعطى أهمية لهذه الصفحة البيضاء ، فمن تمازج بياض الصفحة وسواد النص الشعري ، تبرز قيمة كل منهما ، إذ تتجلى بنية البياض من خلال إيجاد مساحات بيضاء بين الكلمات وعلامات الترقيم في النص، وقد تحدثت عن هذه القضية خلود  ترمانيني “تتألف القصيدة العمودية من محورين هما الصدر والعجز ، وتنجم عن ذلك أشطر متساوية بينهما نهر من البياض ، وهذا التشكيل يمثل القالب الأساسي للشعر …ومع ظهور المتغيرات الايقاعية والتي أثرت في الشكل الكتابي فإن مساحة البياض أحاطت بالقصيدة الجديدة “1، فمساحات البياض في هذه القصيدة يمكن أن نطلق عليه مصطلح المسكوت عنه ، الذي لا يريد الشاعر الافصاح عنه ، وذلك من أجل إشراك المتلقي في العملية الإبداعية من خلال التأويل ، وبالعودة إلى القصيدة نجد أن الشاعر قد وظف علامة الانفعال في البيت الثالث بقوله :

لتحفظوا العسلْ

فمبدع النص هنا يحدثنا عن محاولة التجديد وكسر حواجز التقليد والرتابة تعبيرا منه عن إنفعال التعجب والحيرة .

مرورا إلى البيت [7] وصولا لآخر المقطوعة في قوله:

لينضج العنبْ…

                    مازال في بيوتكم حصيرةٌ…. وبابْ

                   سدوا طريق الريح عن صغاركم

                    ليرقد الأطفال

                    الريح بردٌ قارسٌ .. فلتغلقوا الأبوابْ…

                   مازال في قلوبكم دماءْ

                    لا تسفحوها أيها الآباء…

                   … فإن في أحشائكم جنين

                 مازال في موقدكم حطبْ

            …  وقهوةٌ .. وحزمةٌ من اللهبْ

وقد إستعمل شاعر القضية الفلسطينية في هذه المقطوعة ، تقنية الحذف[…] ،والتي شكلت عدة معان قفزت في ذهن وخيال المتلقي ، وبالتالي أفسحت الطريق أمام المتلقي لاستنطاق النص ، بالإضافة إلى نقطة التوتر [..]  والتي تظهر إيجابية  الشاعر وهي كناية عن عدم توقف الشعور العميق بالامل ،كما تدل على إسقاط الروابط النحوية كأن يكون التقدير فيها حرف عطف .

2/ سيمياء العنوان :

   إن ثاني مايلفت إنتباه القارئ بعد شكل القصيدة هو عنوانها ، والذي يعد مفتاح النص وبه تسبر أغواره وتتحدد مقروئيته ، ومن خلاله يمكن التعمق في مضمونه ، إذ يعد نظاما سيميائيا ذو أبعاد دلالية ، وأخرى رمزية تجذب القارئ لفك شفراته الرامزة ،”فالعنوان ، هو أول مايلقاه القارئ من العمل الادبي ، هو الإشارة الأولى التي يرسلها إليه الشاعر أو الكاتب”2

والعنوان الذي بين أيدينا ” أمل ” جاء على صيغة مفردة أمل وجمعها أمال ، والتي ترمز إلى شيئ وتدل عن معنى آخر.

أمل : تحمل دلالة انفعالية سيميائية تفاؤلية ، توحي للغد الأفضل وأنه لطالما يوجد أمل يوجد نصر واسترجاع ما أخذ .

والمتتبع لهذه اللفظة من جانبها الصوتي ،يجد بأنها لفظة قوية تعبر عن مدلولها ، لذلك يمكننا معرفة ماتشير إليه الألفاظ من خلال أصواتها ، وقد جاءت على النحو التالي :

أ/م/ل/ كل هذه  الاصوات تنتمي  إلى الحروف المجهورة للبوح والتنفيس .

أما من جانبها الدلالي في تشير إلى عدة معاني نذكر منها :(التفاؤل / التحفيز / الأماني)

3/ سيمياء الشخصية :

  تمثل الشخصية ركنا أساسيا في الخطاب الشعري السردي ، فرولان بارت يعرف الشخصية بقوله ” نتاج عمل تأليفي ، أي أن هويتها موزعة في النص عبر الأوصاف والخصائص …”3 ، وكثير من النقاد الذين اهتموا بدراسة الشخصية في مختلف الأعمال الأدبية من مثل فيليب هامون وغريماس وغيرهم ، ولعل الشاعر قد قنع قصيدته هذه بشخوص حيوانية ليعبر عن مراده بطريقة غير مباشرة، فجاءت لفظة الذباب في البيت [2] (ردوا الذباب)

الذباب : ينتمي إلى فصيلة الحشرات ، وهذه الشخصية قد عبرت عن نفسها لما تحمله من صفات ترمز إلى العفن والوسخ والبيئة العفنة التي يعيش فيها ، فهكذا رمز درويش لعدوه الإسرائيلي ، دعوة منه لأبناء وطنه أن يردوا ويردعوا العدو الإسرائيلي عن فلسطين .

لا يقف درويش عن وصف الكيان الصهيوني بهذه الشخصية ، بل أدرج شخصية أخرى حملها البيت [5] متمثلة في :

بنات آوى : وهي من الثديات ،وترمز هذه الشخصية للخبث والمكر والحيلة ، كالمستعمر الذي تمركز في فلسطين كمرض خبيث يصعب استئصاله .

أما الشخوص التي رمز بها درويش وطنه وطن الأنبياء هي كالتالي :

الصغار : شخصية تعبر عن النقاء والعفة والطهارة .

الآباء : شخصية تعبر عن مرحلة نضج وحماية .

الجنين : شخصية تدل على مرحلة ماقبل الولادة وهي مرحلة تكوينية .

فهذه الشخوص ترمز لفلسطين ، وطن العفة والنقاء والواجب على المقتدرين والمسؤولين حماية هذا الوطن الذي يحمل في أحضانه انتصارا لم يولد بعد ، وقد رمز لهم بلفظة الآباء  ففلسطين لها أكثر من أب والذي تمثله البلدان العربية .

والعلاقة التي تظهر بين هذه الشخوص الرامزة لفلسطين والكيان الصهيوني ، علاقة تتمتع بالسلبية والانفصال والتضاد ، فمن غير الممكن أن يتحقق الاتصال مع مغتصبي الحرية وسارقي الهوية القومية والوطنية .

4/ سيمياء المكان :

مما لا شك فيه أن لكل شاعر معجمه اللغوي الخاص ، والذي يميزه عن غيره ، فاللغة هي من تكون الرؤى بحيث تختلف من شخص لآخر ، ونظرا للقيمة اللغوية ومالها من دور في إنتاج الدلالة ، لنقسم هذه القصيدة إلى حقلين دلالين هما

  للمكان أهمية تكمن في دلالته الواقعية والرمزية ، وفاعليته مرهونة بالعمل الإبداعي وعلاقته بباقي العناصر ، وقد خص الشاعر محمود درويش قصيدته بجملة من الأماكن نذكر منها :

البيت: مكان مغلق ظاهره يمثل مكان إجتماع العائلة ، لكن البيت هنا يرمز للوطن والذي دعى الشاعر لحمايته ، وأنه لايزال هناك أمل لتحقيق النصر ومجابهة العدو ، يظهر في قوله (مازال في بيوتكم حصيرة …وباب )

الطريق منفتح على سلبيات العالم وإيجابياته ، فهو طريق مليئ بالمحن ، بحيث أن الشاعر يحث على سدها حتى يعم السلام والأمن والآمان .

5/  سيمياء الزمن :

يرى عبد المالك مرتاض للزمن بأنه ” لحمة الحدث ، ملح السرد ، وضوء الحيز ، وقوام الشخصية “4، بحث حدد الزمن في هذه القصيدة من خلال توظيف الشاعر لافعال تدل على الماضي، وتتضح من خلال توظيف عبارات يلمسها القارئ ويجدها كمؤشرات على زمن مضى كقوله ( مازال في صحونكم ../ مازال في كرومكم عناقد من العنب / مازال في موقدكم حطب … )

فاللفظة اللسانية “مازال” لفظة تدل إلى الحالة السابقة التي كان فيها الصحن والكروم والموقد ،وهي تدل على الوطن وحالته السابقة عندما كان يزخر بألوان الحرية ، مليئا بالفرح والابتهاج قبل صدور بيان أو وعد بلفور الذي ينص على أنّ فلسطين أرض إسرائيلية ، فالشاعر يخبرنا عن الحالة السابقة والتي آلت بعد التحولات السياسية إلى أرض محتلة .

6/ سيمياء الدلالة :

  مما لا شك فيه أن لكل شاعر معجمه اللغوي الخاص ، والذي يميزه عن غيره ، فاللغة هي من تكون الرؤى بحيث تختلف من شخص لآخر ، ونظرا للقيمة اللغوية ومالها من دور في إنتاج الدلالة ، لنقسم هذه القصيدة إلى حقلين دلالين هما :

 حقل المستعمر / حقل المستعمر.

حقل المستعمر ( الذباب / بنات آوى / طريق الريح / قارس)).

حقل المستعمر  (عسل / عنب / كروم / بيت موقد)

التحليل الدلالي لبعض السمات المعجمية :

عسل: شراب اهل الجنة حلو المذاق ويقصد به الوطن .

العنب : فاكهة ، وقد تم ذكرها في القرآن الكريم .

كما نلمح في  القصيدة إستراتيجية التناص وقد عرفته جوليا كريستيفا بقولها : “إنه أحد مميّزات النصّ الأساسية، والتي تحيل على نصوص أخرى سابقة عنها أو معاصرة لها” 5، وذلك بذكره لفظة “القهوة” والتي ترمز للاصالة والعراقة العربية ، ويتحقق التناص عند قوله في قصيدة “إلى أمي “

أحنُّ إلى خبز أمي

                    وقهوة أُمي

                  .. ولمسة أُمي

1/ ترمانيني خلود ،2004-، الايقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث ، مخطوطة ،أطروحة دكتوراه، جامعة حلب ، ص 214

2/ شكري محمد عياد :مدخل إلى علم الأسلوب، أصدقاء الكاتب،مصر ط1996/3،ص58

3/ خليل رزق ،تحولات الحبكة ،مقدمة لدراسة الرواية العربية، مؤسسة الإشراق للطباعة والنشر ،بيروت،ط،1992،1ص53

4/ عبد المالك مرتاض، في نظرية الرواية ،عالم المعرفة ،عدد240سنة 1998،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ،الكويت ،ص207

5/ سعيد علوش ،1985،معجم المصطلحات الاسلوبية المعاصرة ،دار الكتاب اللبناني .

مناصرية زينب

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال