Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

شعب يخشى المطالبة بحقوقه بينما تُباع البلاد في صمت.. هذا ما تريده الدولة من المصريين

 

ما نراه اليوم ونتابعه من تقلبات وتغيير جذري في كل شيء، وبخطى متسارعة، وتحولات في الفكر والعقيدة، والتفاعل مع الأحداث متعمَّدٌ ومخطط له، وما نلمسه من قوة دفع تريد دفع مصر إلى المجهول، ترمي بمصر وبالمصريين إلى بحور من الأزمات والقلاقل والفوضى، ما يجعلنا نشعر بالقلق على ما تبقى لنا ولأولادنا وأحفادنا من أي أمل في مستقبلنا ومستقبل بلادنا.

ولننتبه جميعاً ونعلم أن زرع الألغام للشعب المصري، وخصوصاً للأجيال القادمة، يجري تنفيذه على قدم وساق، لتنفجر في وجه الجميع، ولتندلع حرائق في كل مكان لتطال الكل، والتي قد لا يسلم منها أحد، إنها الأزمات والكوارث المعدة بإحكام لمصر وللمصريين.

إنها الأزمات والكوارث أيها السادة التي يتم تصديرها وتفعيلها في كل مكان، ليس على حدود الدولة المصرية (في الشرق والغرب والشمال والجنوب) فحسب، بل في الداخل، وذلك بتقسيم الشعب الواحد وزرع الشقاق والتناحر والكره وحب الانتقام فيما بينهم، بجانب هدم القيم الدينية والقومية والوطنية.

والأخطر من ذلك محاولة تدمير الحس الوطني والصفات الحميدة المتأصلة داخل صدور المصريين، مثل الوطنية والكرامة، والأرض والعرض، والشرف والطيبة، والحب والرحمة والشهامة والرجولة، والأخلاق الكريمة، والتآخي، والوحدة الوطنية، والتي كانت من أهم سمات المواطن المصري، والتي كان يتمتع بها معظم المصريين، والتي هي من أهم أسباب تماسك الدولة المصرية وتلاحُم الشعب المصري وعلى مدى التاريخ.

إنهم يريدون أن ينتجوا شعباً مصريّاً جديداً منقسماً على نفسه ضعيفاً متناحراً، لا يوجد في قاموسه ولا مفردات لغته مكان للشرف ولا العرض ولا الرجولة، وخصوصاً في الحفاظ على الأرض والعرض والأمن المائي في البلاد. واعلموا أن الهدف هو تفكيك أكبر دولة في المنطقة بعد تقطيع أوصالها، وسوف يكون كل شيء قابلاً للبيع، حتى المياه.

سوف يصل الوضع في مصر إلى درجة استيراد كل شيء، حتى المياه، سوف تكون مياه النيل "سبوبة" جديدة لرجال الأعمال، ليتم بيعها للشعب المصري بعد شرائها من مستثمري سد النهضة الإثيوبي، وتكون أداة النظام لتمرير وفرض إرادة الآخرين على الدولة المصرية.

إنهم يريدون إنتاج شعب مغيَّب لا يبالي بحقوقه ولا بثروات بلاده، شعب مرتعش خائف، يمكنه التنازل عن كل شيء، حتى عن أرضه وعن مصدر بقائه حياً (مياه النيل)، كما تنازل بالأمس عن جزيرتي "تيران وصنافير"، رغم أنه فعلياً لم يتنازل، وخرج العشرات في مظاهرات، بعضهم ما زالوا في السجون حتى الآن منذ وقتها، ليُفتح الطريق في المستقبل إلى تنازلات أخرى عديدة، قد يكون تم تدوينها وإعدادها، وتنتظر إخراجها في الوقت المناسب من الأدراج.

إنهم يريدون إنتاج شعب ليس لديه عقيدة، ولا هدف ليعمل من أجله، ولا وطن مكتمل الأركان مصان بحدوده ومياهه، يفتخر بانتمائه إليه، معتزاً به، ينهض بالدفاع عنه والتضحية من أجله، شعب لا حقوق له ولا مطالب، شعب أصبحت أبسط حقوقه في الدولة التي يعيش فيها مقتصراً على البقاء على قيد الحياة، وأكبر أحلامه أن يوفي احتياجات أولاده، فلم تعد قيمته وكرامته وإنسانيته من أهم أولوياته. بعد أن حُرم من حقه في الغذاء والكساء والتعليم والرعاية الصحية.

مجرد أمان وأحلام ونوع من الرفاهية يصعب عليه امتلاكه، ولا حتى من حقه أن يصرخ شاكياً باكياً معبراً عن محنته وآلامه، ومن يفعل ذلك يُوصم فوراً بالغوغائية والخيانة، فبدلاً من السماع إلى شكواه ومحاولة حل مشاكله يُعاقب بالاعتقال أو السجن، ليزيدوا من آلامه ومعاناته ومعاناة أسرته، إنه تركيع شعب وإذلاله.

نحن في مأساة حقيقية، لا توجد رؤى صحيحة علمية تعمل على حل مشاكل المواطن المتفاقمة، ولا توجد خطط وحلول لحل مشاكل الدولة المصرية وتركيبتها الديموغرافية، ومحاولة عمل مصالحة وطنية وإدماج جميع القوى السياسية والدينية في العمل السياسي، وتلبية تطلعات وأماني معظم الشعب المصري في طريقة إدارته لدولته، وذلك بتأسيس دولة ديمقراطية مدنية حديثة، تفتح الباب للحريات، وتُفعّل فيها دولة العدل والقانون، دولة تحفظ للمواطن المصري قيمته وكرامته.

ولكنهم للأسف يدفعون في الاتجاه المعاكس، باستمرار نصب المقاصل، وتنفيذ أحكام الإعدام بين وقت وآخر في رموز الثورة المصرية، ما يتسبب في زيادة الفرقة وتعميق الجراح، وجعل المصالحة الوطنية أمراً مستحيلاً.

نحن في مأساة حقيقية بسبب إصرار النظام على حل الأزمات التي تواجه الدولة بأزمات جديدة أكثر خطورة، أزمات جديدة قد تكون لها نتائج كارثية، وعلى المدى الطويل، ليس على المواطن المصري فحسب، بل على مستقبل الدولة ككل.

فليس الحل ببيع الأرض تحت مسمى ترسيم الحدود كما حدث في قضية تيران وصنافير سابقاً، أو بيع أصول الدولة من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية، أو من أجل الخروج من العزلة، التي وضع النظام نفسه فيها، أو من أجل تنفيذ أجندات خارجية تحت مسمى تنفيذ استشارات متخصصين اقتصاديين من الخارج. فاحذروا وعوا، تيران وصنافير كانتا البداية، وسد النهضة وتجفيف نهر النيل لن يكون النهاية!.

يسري عبدالعزيز - كاتب ومهندس مصري مقيم في ألمانيا

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال