Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

الطلاق قد يكون حلا


 في كل حديث عن إشكاليات تتعلق بمدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية في المغرب)، يخرج علينا بعض من يعتبر أن هذه القوانين تعطي حقوقا أكثر من اللازم للنساء؛ وأن هذا من تأثير الغرب على مجتمعاتنا، وأنه يدمر الأسر المغربية... والدليل، بالنسبة لهؤلاء، ارتفاع نسب الطلاق.

بالفعل، فإن مدونة الأسرة الحالية قد سهلت الطلاق على النساء، بعد أن كانت العديد منهن تعانين لسنوات في ردهات المحاكم أمام تعقيد الإجراءات والمساطر؛ كما أنها سنت صيغا قانونية جديدة من الطلاق، كالطلاق بالاتفاق أو طلاق الشقاق، وألغت التطليق الذي كان في يد الرجل حصريا والذي كان يتسبب في معاناة معنوية ومادية ونفسية حقيقة لآلاف النساء. لكن وجود قوانين تسهل إجراءات الطلاق وتحترم كون المرأة طرفا في الزواج وفي الطلاق وليست مفعولا به، لا يعني أن هذا الأمر هو سبب مباشر في اختيار بعض الأزواج والزوجات الطلاق. 

ليس هناك رجل أو امرأة ناضجان يختاران الطلاق فقط لأنه متاح وممكن قانونيا (إلا في بعض الحالات الاستثنائية النشاز). لكن، بالمقابل، فحين تستحيل العلاقة الزوجية وتصبح إمكانيات الصلح غير واردة وغير مجدية، أليس من الأفضل للطرفين أن ينفصلا، على أن يستمرا في علاقة مضرة لهما معا؟ 

ثم، هل نطالب الرجال والنساء بالاستمرار في علاقات زوجية تعيسة لمجرد عدم رفع إحصائيات الطلاق، ولكي نتسمر في مداعبة وهمنا الجميل بأننا مجتمع متماسك بأسر متماسكة لا تعرف الطلاق؟ 

حتى وهم الاستمرار من أجل الأطفال هو مغالطة عظيمة يروج لها الكثيرون. معظم الدراسات النفسية والتربوية تشير إلى أن الأطفال الذين ينشأون في أسر ممزقة، ينشأون بشكل غير سليم بتاتا.  

من المؤكد أن الأفضل للأطفال هو العيش مع أمهما أبيهما... لكن العيش مع أحد الوالدين بعد الطلاق هو أفضل بكثير، نفسيا وصحيا، من العيش مع والدين متصارعين متكارهين... أو حتى العيش مع والدين لا يتشاجران، لكن يجمعهما الكثير من العنف النفسي بين بعضهما أو البرود التام والحقد الدفين. الطلاق ليس الحل الأفضل للأطفال، لكن الأسر السامة (Toxic، بلغة علم النفس) هي بالتأكيد أكثر ضررا على الأطفال. 

هذه ليست دعوة ولا تشجيعا على الطلاق لأتفه الأسباب. لكن الأكيد أننا لا نستطيع أن نطالب بمجتمع سليم وصحي، وبأساليب تربية صحية، ونحن نطالب أشخاصا راشدين أن يستمروا في علاقات تعيسة، فقط لكي تكون أرقام الطلاق في محاكمنا منخفضة ولكي نرضي وهم "الاستقرار" الذي يدغدغنا. 

كما أن الحقيقة أن السبب الحقيقي في ارتفاع نسب الطلاق، ليس هو مدونة الأسرة ولا تأثير الثقافة الغربية. السبب الحقيقي والمباشر هو الضغط المجتمعي الذي نمارسه على الأفراد، وعلى النساء تحديدا (الرجال أيضا، لكن بنسب أقل) من أجل الزواج بأي ثمن... تحت هذا الضغط، يتزوج الكثيرون حين يقابلون الشخص الذي يناسب "دفتر تحملات" مجتمعي، وليس بالضرورة بالشخص المناسب لهم فكريا وعاطفيا وروحيا... شخص يمكنهم من أداء الفريضة المجتمعية وليس شخصا يرغبون في أن يقتسموا معه تفاصيل الحياة، بجمالياتها وصعوباتها. بعضهم ينجح في تدبير العلاقة وتطويرها لشكل يحقق السعادة الفردية والأسرية؛ بينما الكثيرون يجدون أنفسهم محاصرين بعلاقة تتعسهم. من ضمن هذه الفئة الثانية، يستمر البعض في علاقة تعيسة لأنهم لا يملكون جرأة (أو إمكانيات) اختيار الانفصال... بينما يختار البعض الآخر إنهاء العلاقة لصالحه وصالح الطرف الآخر ولصالح الأبناء في أحيان كثيرة.

لذلك، فقبل أن نلوم القانون، علينا أن نسائل تصوراتنا والضغط الذي نمارسه على الآخرين في اختياراتهم. حين سنحترم اختيارات الأفراد ولا نربط نجاحهم وسعادتهم (وخصوصا نجاحهن وسعادتهن) بشكل معين للعلاقة؛ ساعتها، سيتزوج الأشخاص بالشخص الذين يرغبون في الارتباط به حقا؛ وليس فقط لأن عليهم الزواج للتخلص من فضول الآخرين... وهذا في الواقع أحد أهم أسباب ارتفاع الطلاق.

سناء العاجي - كاتبة وصحافية مغربية

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال