في 28 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت وزارة الداخليّة المصريّة مقطعَ فيديو برّاقا خضع لقدر كبير من الإنتاج السمعي والبصري، يعرض مجمعا ضخما للسجون من أحدث طراز. من المُفترض أن يستبدل "مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون" 12 سجنا تأوي حاليا 25⸓ من إجمالي السجناء في البلاد، المقدّر عددهم بـ 114 ألفا – منهم عشرات آلاف السجناء السياسيين القابعين في الحبس الاحتياطي بلا نهاية، أو الصادرة بحقهم أحكام جائرة.
بينما أشادت وسائل الإعلام الحكوميّة المصريّة بتزلّف بهذا الفيديو– الذي جاء للمفارقة الشائنة تحت عنوان "الحق في الحياة" – وجّه إليه النشطاء الحقوقيون المصريون انتقادات شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
يبدو أنّ مشاهد السجناء المبتهجين في فصول دراسيّة نظيفة ومتلألئة هدفها أن تقلب الواقع الموثق لنظام العقوبات المنتهِك، المليء بالتعذيب المنهجي، وتفشّي الإهمال الطبّي، والمرافق القذرة.
الفيديو جاء مع ترجمة إلى الإنغليزية، وبدا أنّه جزء من استراتيجية علاقات عامة أوسع تتبناها الحكومة ردّا على انتقادات المجتمع المدني المصري و"مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، ويأتي في أعقاب إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/أيلول عن "استراتيجية وطنيّة لحقوق الإنسان". يزعم الفيديو أنّ هذه الاستراتيجية "واقع حيّ" – لكنّه لا يشبه أبدا الواقع الذي يعيشه سجناء مصر.
يصوّر الفيديو مجموعة من الخدمات التأهيلية، من أحدث المرافق الصحيّة إلى الفصول الدراسيّة التي تقدّم دروسا في الرسم وورش عمل مهنية، تشمل حتى تركيب الألواح الشمسيّة، لـ "نزلاء" بابتسامة دائمة، يجلسون في طاعة تامة بأزياء رسميّة جديدة. هذا يتناقض بشكل حادّ مع الرواية المروّعة لخالد داود عن 19 شهرا من الحبس الاحتياطي في سجن طرة سيئ السمعة في القاهرة. كتب داود، وهو صحفي والرئيس السابق لـ "حزب الدستور" المصري، في يوليو/تمّوز، أنّه سُمح له بارتداء بذلة واحدة قذرة حين كان هناك.
يظهر في الفيديو أقارب وهم يحجزون زيارات السجون عبر الانترنت بسهولة. لكن في الواقع تمنع سلطات السجون بعض الزيارات العائلية لسنوات، وخاصة للسجناء السياسيين. الموقع النائي للسجن الجديد سيُصعّب على العائلات والمحامين زيارته، فهو في منطقة بعيدة عن كل التجمعات السكنية، ولا يُمكن الوصول إليه بسهولة عبر النقل العام.
كما يُظهر الفيديو مستشفى سجن "مجهّز بأحدث الأجهزة والتقنيات"، وهو مشهد يعترف ضمنيّا بالإهمال الطبّي المنهجي الذي يختبره الكثير من السجناء المصريين. توفي الرئيس الأسبق محمد مرسي في 2019، بعد سنوات من الإهمال الطبّي في السجن.
في يوليو/تمّوز 2021، أفادت عائلة عبد المنعم أبو الفتوح (69 عاما)، وهو زعيم سياسي محتجز ظلما، أنّه تعرّض لنوبة قلبيّة في الحبس الانفرادي في سجن طرة. ورغم أنه طرق باب زنزانته لساعات، إلا أن الحرّاس تجاهلوه.
يُصوّر فيديو وادي النطرون مجموعة من الأنشطة الترفيهيّة و"مكتبة لتنمية المهارات الثقافية والفكريّة". كل ذلك يتعارض بشكل كبير مع الرفض الروتيني لأبسط طلبات السجناء، مثل الكتب. تمنع السلطات الناشط علاء عبد الفتاح من الحصول على كتب للقراءة ومواد تعليمية أخرى منذ سنوات.
هذه ليست أوّل جهود دعاية مكثفة للحكومة المصريّة في ما يتعلّق بسجونها. ففي 2019، قبل "الاستعراض الدوري الشامل" من قبل مجلس حقوق الإنسان، سُمح لمجموعة مختارة من الصحفيين المصريين والأجانب بجولة في سجن طرة. أفاد الصحفيون بأنهم شمّوا رائحة الجدران المطليّة حديثا، وشاهدوا مباريات كرة قدم شكّكوا في أنها كانت عفويّة، وحُرموا من أيّ فرصة للتحدث مباشرة مع السجناء، والكثير منهم ما كان يجب حبسهم أصلا.
تهدف استراتيجية العلاقات العامة الأوسع للحكومة المصريّة إلى إسكات انتقادات سجلّها الحقوقي المروّع. يُظهر هذا الفيديو أنّ الحكومة مهتمّة بالنقد، لكنها تفضّل محاولة إسكاته عبر التدخلات التجميلية، وإن كانت مكلفة، بدلا من الالتزام الحقيقي بمعالجة القمع المتفشّي في البلاد. سيكون جميلا الاعتقاد بأنّ السجناء سيحظون حقا بزيارات وكتب، بل أيضا لن يتم تعذيبهم، لكن إذا أردنا أخذ العبرة من الماضي، فإنّ مصر لا نيّة لها في معاملة معارضيها بشكل أفضل.
على حلفاء مصر تغيير نهجهم، واتخاذ الإجراءات التي طال انتظارها للضغط على السلطات المصرية أكثر بكثير، بحيث يحصل المصريون على إصلاحات حقوقية حقيقية للوضع المزري الذي يحاول هذا الفيديو التستّر عليه.
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال