بدأ الأمر، قبل عدّة أسابيع، بيافطات ولوحات ضوئية نُصبت على واجهات ومداخل بعض المسارح وصالات العرض الفرنسية وقد كُتب عليها: "غير أساسيّ"، وهي العبارة التي أُغلقت، باسمها، أغلب المرافق الثقافية في فرنسا، حيث اعتبرتها الحكومة من الأماكن التي لا تقدّم نشاطاتٍ ضرورية في الوقت الحالي، وهو ما برّر تعليق النشاطات فيها إلى حين تحسّن الوضع الصحّي في البلاد.
هذا الصمت الحكومي، والإصرار على اعتبار الثقافة حقلاً "غير أساسيّ"، في وقتٍ يُعتبَر فيه أساسيّاً كثيرٌ من المتاجر ومحال السِّلَع الثانوية، دفعا المعنّيين بالعمل الثقافي إلى تصعيد لهجتهم، بل وإلى الانتقال إلى الفعْل بدلاً من الرسائل الكلامية، حيث تشهد فرنسا، منذ أيّام، قيام عشرات الفنّانين والناشطين وطلّاب الفنون أو حتّى المتابعين بالدخول عنوةً إلى المسارح والصالات المغلقة، و"احتلالها"، بل وحتّى إقامة بعض الأنشطة العابرة فيها أو أمامها، وذلك احتجاجاً على "كيل الحكومة بمكيالين" و"احتقارها للثقافة"، بحسب وصف بعضٍ منهم، ودفعاً إلى إعادة الحياة إليها.
وإن كان الحراك قد بدأ في مسارح عدّة موزّعة في أغلب أنحاء فرنسا، فإنّه اكتسب متابعةً كبيرة بعد وصوله إلى مسارح كبرى، مثل مسرحَيْ "أوديون" و"لا كولين" في العاصمة باريس، أو "مسرح ستراسبورغ الوطني"، وهي من الأماكن التي يتلقّى الفنّانون المشتغلون فيها دعماً من الدولة، المسؤولة أيضاً عن تعيين المسؤولين فيها باعتبارها "مسارح وطنيّة" ذات أهمّيّة في الخارطة الثقافية المحلّيّة والأوروبية.
وقد شهد "احتلال" هذه المسارح والصالات حضور العشرات من الأشخاص وتظاهرهم أمامها وداخلها، ورفْعهم ليافطات تنتقد سياسات الحكومة، ولا سيّما وزيرة الثقافة، روزلين باشلو، أو تسخر من قاموس السُلطات الذي يقسّم الفضاء العام ومرافِقَه بين ضروريّ وغير ضروريّ.
منذ ذلك الحين، انتقل الحراك إلى صالات وأماكن ثقافية تغطّي كافّة الخريطة الفرنسية، في حين يصرّ العديد من المجموعات المحتجّة على البقاء داخل المرافق الثقافية إلى حين إعادة فتح أبوابها. وقد شهد اليوم السبت، وحده، احتلال أربعة مرافقة ثقافية جديدة على الأقل، في مدن مثل نانسي (شرق) وأونغولم (غرب) وشيربور (شمال غرب) وكامبر (شمال غرب)، كما شهد مظاهرات أو احتجاجات أمام قاعات وصالات ومسارح في مدن مثل مونبلييه وفالانس وسِتّ (جنوب)، أو لافال (غرب) أو شيربور.
ويبدو أن المشاركين في الحراك لن ينتظروا تحرّك الحكومة كي يبدأوا عملهم، حيث راحوا ينظّمون العديد من العروض التي كانت مؤجّلة، أو العروض البديلة، بحضور جمهورٍ في أغلب الأحيان، كما جرى في أكثر من فضاء ثقافي في مدينة تولوز (جنوب غرب)، التي قدّم فنّانون معتصمون فيها عروضَ رقصٍ ومسرحٍ وقراءاتٍ، إضافة إلى عروض فيديو وأشرطة سينمائية.
ميادين الحرية / أ ف ب
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال