يبدو أن مؤشر تنفيذ صفقة ترامب تنتقل سريعا من رام الله الى غزة بعد أن إصطدمت بشدة بموقف أبو مازن العنيد، وكما ذكرت صحيفة "هاآرتس" أن الخطة تنقسم الى 6 مراحل متتالية تبدأ بوقف إطلاق نار شامل، إعادة فتح معابر غزة الحدودية وتوسيع منطقة الصيد المسموح بها، تقديم المساعدة الطبية والإنسانية، ثم حل مشكلة الجنود الأسرى والمفقودين لدى غزة، يليها إعادة بناء واسعة للبنية التحتية في غزة بتمويل أجنبي وعربى، بعدها تبدأ مباحثات حول الموانئ البحرية والجوية في غزة.
الخلاف داخل الكابينت الإسرائيلى يتمحور حول إتجاهين أحدهما يتزعمه نتنياهو ويفضّل العودة الى بنود التهدئة التى أقرّت بعد عدوان إسرائيل فى 2014، والإتجاه الآخر يتزعمه أفيجدور ليبرمان وزير جيش الدفاع الذى يتحمس لإتفاق موقع يشمل بنود محددة يوقع عليه الطرفين ويمهد لتغيير شامل فى القطاع (تحت زعم الظروف الإنسانية)، وقد بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من الإتفاق بالفعل يوم الأربعاء 15 أغسطس وذلك بوقف إطلاق النار وفتح المعابر وتوسيع حيّز الصيد، ويبدو من ذلك حماس إسرائيل وإستعجالها لتنفيذ الخطة، وفى إنتظار ملاحظة مدى إلتزام الجانب الفلسطينى يوم الجمعة 17 ومراقبة ما يحدث على حدود القطاع ووقف إستخدام الطائرات الورقية الحارقة، وقالت مصادر فلسطينية إن اتفاق التهدئة مع إسرائيل يشمل وقفاً تاماً للنار والبالونات الحارقة وغيرها من المظاهر العسكرية، في مقابل رفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة وتنفيذ مشاريع إنسانية. وأضافت أنه في حال تذليل عدد من العقبات القليلة المتبقية، فإن «حماس» ستوقع اتفاق التهدئة بعد إجازة عيد الأضحى.
الجديد فى الأمر هو دخول قطر "بموافقة مصرية" على خط الإتفاق وتقديم تصور خاص، بل إشتراك الدوحة من خلال تقديم معونات إقتصادية لدفع أجور الموظفين فى القطاع وتزويد محطات الكهرباء بالطاقة، ويقول التليفزيون الإسرائيلى أن الدوحة والقاهرة يعملان بشكل منفرد حتى الآن، بل أن الجانب الأمريكى حدد لنفسه دورا أساسيا فى تجهيز المطار والميناء، السؤال هو : لماذا كل هذا الإهتمام المفاجئ بغزة الآن؟ ولماذا إلزام الجانب الإسرائيلى بالموافقة على إحداث تحوّل على الواقع الاقتصادي والإنساني في قطاع غزة، وضمن ذلك منح الضوء الأخضر لتنفيذ مشاريع كبيرة لتحسين واقع البنى التحتية الأساسية في القطاع، وتحسين العمل في المعابر التجارية وإدخال مواد البناء وغيرها، وأن يلتزم الجانب المصرى بفتح معبر رفح الحدودي بشكل متواصل وتحسين العمل فيه والسماح بحرية الحركة من القطاع وإليه، وفي المقابل، فإن مسودات الاتفاق تلزم "حماس" بوقف عمليات إطلاق الصواريخ، والامتناع عن مواصلة حفر الأنفاق الهجومية التي تمتد إلى داخل إسرائيل، وإعادة تكريس منطقة الحزام الأمني غرب الجدار الحدودي الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، إلى جانب التوصل إلى تسوية بشأن مصير الأسرى الإسرائيليين لدى الحركة.
دبلوماسي أردني بارز يؤكد لـ "إسرائيل اليوم" أنه خلال جولتهما الأخيرة في الشرق الأوسط، قدم مستشار وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، ومبعوثه إلى المنطقة جايسون غرينبلات، لقادة الدول العربية – بينهم الرئيس المصري السيسي والملك الأردني عبد الله ومسؤولين سعوديين – مبادئ "صفقة القرن" التي تبلورها الإدارة في واشنطن.
وفى سابقة غير معهودة كشفت صحيفة "المصرى اليوم" فى عدد اليوم الجمعة 17 أغسطس عن تفاصيل صفقة القرن، وذلك من خلال طرح 3 بنود رئيسية من الصفقة:
( الأول) هو تنازل الحكومة المصرية عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول 24 كيلومتراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثاني فيصل طوله إلى 30 كيلومتراً من غرب كرم أبوسالم ، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، وهذه الأراضي )٧㿔 كيلومتراً مربعاً) التي سيتم ضمها إلى غزة تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ 365 كيلومتراً مربعاً فقط.
(الثانى) مقابل هذه المنطقة التي ستُضم إلى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة لتدخل ضمن الأراضي الإسرائيلية.
(الثالث) تحصل القاهرة على أراض من إسرائيل جنوب غربي النقب (منطقة وادي فيران)، المنطقة التي ستنقلها إسرائيل لمصر يمكن أن تصل إلى 720 كيلومتراً مربعاً (أو أقل قليلا).
إن إضافة 720 كم مربع لغزة تمكن الفلسطينيين من إنشاء ميناء دولي كبير (في القطاع الغربي من غزة الكبرى)، ومطار دولي على بعد 25 كم من الحدود مع إسرائيل، والأهم، بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل، وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعي لسكان غزة والضفة، بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في دول أخرى.
مبدأ الأرض مقابل الأرض:
تتسلم مصر قطعة أرض من إسرائيل في صحراء النقب، والحد الأقصى لمساحة هذه الأراضي سيكون 720 كم مربع، وتسمح تل أبيب للقاهرة بشق نفق يربط بين مصر والأردن. ويبلغ طول هذا النفق حوالي 10 كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب (على بعد ٥ كم من إيلات)، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن (وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق) ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل، وبين الميناء الجوي الجديد في غزة الكبرى والميناء البحري الجديد هناك"وكلاهما على ساحل المتوسط" وحتى هذا النفق المصري - الأردني في الجنوب، سيتم مد خط سكك حديدية، وطريق سريع، وأنبوب نفط (وتسير هذه الخطوط داخل الأراضي المصرية بمحاذاة الحدود مع إسرائيل)، ثم تعبر هذه الخطوط الثلاثة النفق إلى الأردن، ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقي لتغذي كل من الأردن والعراق، وإلى الجنوب، باتجاه السعودية، ودول الخليج، (يجب أن ننتبه أيضا الى علاقة تلك الخطة بمشروع نيوم).
سيتم ضخ استثمارات هائلة في مجال تحلية وتنقية المياه. ويتطلب هذا المجال الحصول على خبرات تكنولوجية متقدمة جدا، وتوفير رؤوس أموال بالمليارات. وتفتقر مصر لهذين العنصرين. لذلك، فمقابل الكرم المصري، سيقرر العالم ضخ استثمارات كبرى في مصر في مشروعات ضخمة لتحلية وتنقية المياه، وذلك عبر البنك الدولي ومؤسسات مشابهة.
أحد المكاسب التي ستحققها مصر مقابل التنازل عن قطاع من أراضيها للفلسطينيين، هو موافقة إسرائيل على إجراء تغييرات محددة فى الملحق العسكري من اتفاقية السلام، كما أن جزء من التعويضات التى ستحصل عليها مصر، سيتمثل بموافقة الدول الأوروبية (خاصة فرنسا) على بناء مفاعلات نووية في مصر لإنتاج الكهرباء. "توضيح : لا أتبنى هذه الرؤية ولكن أنقلها فقط عن المصرى اليوم"
(تضمن المشروع المتضمن فى صحيفة المصرى تعداد الكثير من الميزات المتوهمة التى ستحصل عليها مصر، من ضمنها "على سبيل المثال" إمكانية حصول مصر على جائزة نوبل للسلام وتدفق الإستثمارات العالمية)، كما تضمن أيضا مكاسب مثيلة للأردن وبقية الدول العربية.
إن نية إخراج خطة السلام الإقليمية، "في الوقت الذي تشكّل فيه التسوية في قطاع غزة جزءاً محورياً منه"، إلى حيز التنفيذ، هي بسبب إصرار أبو مازن على عدم التعاون مع إدارة ترامب بسبب مواقفه المتحيزة لإسرائيل على طول الخط، وتفسر كذلك دعوة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى القاهرة لعقد سلسلة من الاجتماعات والمداولات مع كبار المسؤولين الأمنيين المصريين، مصادر عربية كبيرة، بينها مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية، قالت أيضاً إنه على ضوء رفض أبو مازن مقابلة مبعوثي ترامب إلى المنطقة والبحث مع الإدارة في واشنطن تفاصيل خطة السلام المتبلورة، وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها الدول العربية المعتدلة على الفلسطينيي للنزول عن شجر المقاطعة التي فرضها رئيس السلطة على جهود الوساطة الأميركية، وعلى ضوء تشبث أبو مازن بقرار عدم التعاون مع مبعوثي الرئيس في المنطقة بل وحتى مقاطعتهم، اتخذ الرئيس ترامب ورجاله قراراً بتقديم خطة السلام الإقليمية إلى الجمهور الفلسطيني وإلى الدول العربية، متجاوزاً رئيس السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية المتمسكان بمقاطعة الجهود الأميركية لدفع عملية السلام، هذا الاتفاق، الذي سيتحقق بوساطة الدول العربية المعتدلة، يتضمن أيضاً تنفيذ سلسلة من المشاريع الاقتصادية وخطط إعادة إعمار قطاع غزة، بدعمٍ وتمويل من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، فضلاً عن إمكانية نقل السلع إلى غزة عن طريق البحر من خلال رصيف مخصص لغزة في أحد مرافئ قبرص، حيث تخضع البضائع المرسلة إلى قطاع غزة والخارجة منه لفحصٍ أمني إسرائيلى.
إن بدء تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن فى قطاع غزة يعتمد على أن أبو مازن والسلطة لا يحكمان قطاع غزة منذ أكثر من عقد، والخلاصة هي ان أي تسوية في القطاع ستكون في نهاية المطاف مع من يحكم على الأرض، أي حماس والفصائل الفلسطينية "حسب زعم أصحابها".
الإدارة الأمريكية ترى أن الفكرة من وراء تنظيم واقع الحياة في قطاع غزة في إطار سلام إقليمي، هو خطوة أولى لتنفيذ صفقة القرن، بالرغم من أن عباس والقيادة الفلسطينية في الضفة الغربية لن يكونا جزءا منه، إذن هي صفقة Deal وليست خطة Plan أو مبادرة Initiative , وهذا يعني أن أساسها المنهجي تجاري يأخذ أسلوب المقايضة أو المقاصة، كما أنها قُدمت كما لو كانت القضية وقد أصبحت سلعة تامة الصنع Ultimate Productبمعني أنها معروضة للبيع وليس للتفاوض بشأن جودتها أو وفاءها بإحتياجات المُشتري النهائي الذي عليه إما أن يشتريها هكذا أو يرفضها " وهى طريقة مهندسها السمسار ترامب" .
رياض حسن محرم - الحوار المتمدن
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال