Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

المغرب : كيف سيتم القضاء على الفقر؟

سؤال كانت تطرحه علي والدتي وهي تتابع نشرة الأخبار التلفزية … “هل سيقومون بقتل جميع الفقراء ؟!!!”
إذ رغم العديد من البرامج والمشاريع التنموية التي عرفتها البلاد، لازال 12.4% من المغاربة فقراء إذ يعيش 4,2 مليون مواطن مغربي من أصل 33.8 مليون في وضعية هشاشة، منهم 1,6 مليون تحت خط الفقر أي بنسبة 4.8% من مجموع الساكنة.
هذا ووفق نفس المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إثر الإحصاء الوطني لسنة 2014 ونتائج البحث الوطني حول الاستهلاك المعلنة سنة 2016، فإن 80% من الفقراء يوجدون في العالم القروي، الذي يحتضن 1,27 مليون يعيشون تحت عتبة الفقر.
وعلى صعيد التنمية البشرية، احتل المغرب المركز 123، حسب التقرير الأممي العالمي حول التنمية البشرية لسنة 2016.
كل ذلك في ظل مديونية خانقة بلغت 823.4 مليار درهم مع متم شهر مارس 2017، منها 506.9 مليار درهم من الدين الخارجي و 316.5 مليار درهم من الدين الداخلي، حسب المعطيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية.
وقد وقعت البلاد في فخ المديونية الخارجية ابتداء من سنة 1964 مع توقيع أول اتفاق مع صندوق النقد الدولي. فكانت أولى توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي اعتمدها المغرب هي التوجه للفلاحة التصديرية من خلال نموذج اقتصادي ليبرالي (بدل فلاحة تهدف لتأمين الغذاء للمواطنين)، وذلك قصد الحصول على العملة الصعبة لتسديد الديون. وتوالت بعد ذلك القروض ومعها توصيات صندوق النقد الدولي…
ففي 1983، سيخضع المغرب لبرامج التقويم الهيكلي أبرزها: تقليص دور الدولة عن طريق خوصصة المؤسسات العمومية والحد من تدخل الدولة في الاقتصاد، خفض قيمة الدرهم مما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية وارتفاع الديون الخارجية، خفض المصاريف العمومية (تعليم، صحة، سكن، بنيات تحتية…) إضافة إلى تجميد الأجور وتسريح الموظفين، تحرير الرساميل والتنازل عن مراقبة حركة رؤوس الأموال، تحرير الصرف والأثمان، فتح الأسواق وإلغاء الحواجز الجمركية، خوصصة جميع المرافق العمومية وتراجع الدولة عن التزاماتها، سياسة الجبايات وما نتج عنها من تفاوتات اجتماعية…
هذه البرامج وما تلتها من إملاءات صندوق النقد الدولي كانت نتيجتها زيادة تفقير الشعب المغربي.
وإن كان المغرب قد لجأ بداية التسعينات من القرن الماضي إلى تحويل الديون العمومية الخارجية إلى ديون عمومية داخلية، فالنتيجة كانت هي تحويل الثروة إلى مجموعة من الرأسماليين المرتبطين بالنظام الحاكم واستحواذهم على ثروة البلاد، مقابل تنامي البطالة والإقصاء والفقر وغلاء المعيشة.
فهل من سبيل للخروج من هذه الدوامة؟ وهل الدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو مقدر عليها أن تبقى كذلك أبد الدهر؟النماذج كثيرة لدول استطاعت الخروج من التخلف والانعتاق من أسر صندوق النقد الدولي… فمن ماليزيا وسنغافورة، إلى البرازيل مع تجربة الرئيس البرازيلي السابق “لولا دا سيلفا”، والذي أطلق عليه لقب “بطل الفقراء” .
فقد استطاع في ظرف ثمان سنوات (2003-2011) النهوض باقتصاد البرازيل بفضل ﺴﻴﺎﺳﺔ ﻤﺘﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ الاجتماعية ﻟﻸﺳﺮ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻭﺍﻟﺘﺼﺪﻳﺮ، معتمدا ﻋﻠﻰ أصحاب ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ الكبرى، حيث تمكن دا سيلفا من إقناع رجال الأعمال بتأييد مشروعه الوطني والذي تمحور حول محو الجوع وتحقيق الأمن الغذائي والقضاء على الفقر، مقابل تحسين الظروف الاستثمارية كتهيئة المناخ التشريعي والقانوني، إضافة إلى تشجيع التصنيع وزيادة الإنتاج وزيادة الإنفاق فى القطاعات الاقتصادية. كما عين بعض رجال الأعمال ولاة على جهات وأقاليم ليسيروها ويتولوا تنميتها.
وقد تمكن دا سيلفا من سداد جميع مستحقات صندوق النقد الدولي في أواخر سنة 2005 (حوالي 15.5 مليار دولار)، بعد سنتين من تنفيذ برنامج التقشف أدت إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع تصنيف البلد الائتماني الذي أزال مشكلة ثقة المستثمرين. بل وأقرض صندوق النقد نفسه ما يقرب من 10 مليارات دولار في 2009. كما ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺒﺮﺍﺯﻳﻞ أكبر قوة اقتصادية في أميركا الجنوبية والثامنة عالميا.
ومن خلال مشروع “الجوع صفر” والبرامج والإجراءات المكونة والمصاحبة له، ﺍﺳﺘﻄﺎعت حكومة دا سيلفا إﺧﺮﺍﺝ حوالي 34 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺧﻂ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺗﺤﺴﻴﻦ ﺣﺎﻟﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ.
شمل هذا المشروع، كما ورد في تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الصادر في 2012 تحت عنوان “الجوع صفر – التجربة البرازيلية” بتنسيق مع وزارة التنمية الزراعية والخبراء البرازيليين، عدة مكونات أهمها:
الدعم المالي للأسرة: يقوم البرنامج على تقديم دخل تكميلى من خلال بطاقة إلكترونية “بطاقة الغذاء”، مقابل إثبات الأسر المستفيدة أن الأموال التى تلقّوها قد أنفقت بشكل رئيسى على مواد غذائية أساسية ووقود الطهى، ومع التزام هذه الأسر بإرسال أولادها إلى المدارس، ورعايتهم صحيا بالالتزام بتناول الأمصال الوقائية واستشارات ما قبل الولادة، فيما البالغون من الأبناء يلتحقون ببرنامج تدريبى لتحسين فرص حصولهم على الشغل.
بالإضافة إلى “بطاقة الغذاء”، تم تفعيل برامج تكميلية أخرى، تهم دعم تزويد المناطق شبه الجافة عبر بناء خزانات لتجميع مياه الأمطار، دعم المطاعم المدرسية، دعم المطاعم الشعبية ومخازن المواد الغذائية، مراقبة الوضعية الغذائية للساكنة…
 دعم الزراعة الأسرية: عبر برنامج “شراء منتجات الزراعة الأسرية”، حيث تقوم الدولة بشراء المنتجات مباشرة من الفلاحين الصغار وبأثمنة مقاربة لأثمنة السوق. وتستعمل هذه المنتجات من أجل تزويد برامج تهم تأمين وتوزيع الغذاء للفئات الهشة مجانا، وكذا لتموين مؤسسات عمومية كالمطاعم الشعبية والمطاعم المدرسية وتكوين مخازن للتغذية.
زيادة على هذه البرامج، أعطت حكومة دا سيلفا انطلاقة خطة برنامج “أراضي المواطنة” سنة 2008 قصد تسريع النمو وتنمية الأقاليم المهمشة وتحقيق عدالة التنمية، من خلال تطوير البنية التحتية من بناء طرق جديدة ومنازل وتحسين خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحى، إضافة إلى تشغيل أهالى تلك المناطق في مشروعات تطويرها مما قلل من نسبة البطالة بها.
وتجدر الإشارة أن مشروع “الجوع صفر” تمت صياغته من طرف معهد للدراسات يدعى “معهد المواطنة” (Instituto Cidadanía) فى ساو باولو سنة 2001، وهو الاقتراح الذي تبناه الرئيس السابق لولا دا سيلفا في حملته الانتخابية وقام بتنفيذه بمجرد توليه الحكم في يناير 2003. وقد تم تفعيل هذا المشروع من طرف وزارة الأمن الغذائى ووزارات أخرى والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية بتنسيق مع الرئاسة، وبتمويل عام وخاص (الشركات فى المدن) ومنح من طرف المواطنين.
حين يكون الالتفاف حول قائد مستنير يمتلك رؤية واستراتيجية واضحة وإرادة قوية للنهوض ببلاده، تتحقق المعجزات !
فمتى تتوفر الإرادة الحقيقية من أجل الانعتاق وتحقيق التنمية المنشودة  ببلادنا ؟؟؟
نعيمة السي أعراب

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال