Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

امراض اليسار العربي اصابت اليسار الفلسطيني

ان ماحدث مع اليسار الفلسطيني في اعقاب اتفاق اوسلو كان تعبيرا عن الخلل البرنامجي الوارد في وثائقه التحليلية التحذيرية. ففي المرحلة الاولى التي اعقبت اتفاق اوسلو ، شنت الاحزاب اليسارية حملة واسعة لمقاطعة اوسلو والسلطة الفلسطينية ، وكان هدفها انقاذ القيادة البرجوازية من شرك اوسلو واعادتها للخندق الوطني.
ولكن بعد فشلها الذريع بتحقيق هذا الهدف ، قررت الاعتراف باوسلو امرا واقعا ، وبدأت تدعو للوحدة الوطنية ، ولكن هذه المرة على اساس " تجاوز اوسلو " . وبدل محاربة السلطة البرجوازية الساعية للانخراط في المخطط الاستعماري وعزلها عن الجماهير ، بذل اليسار الفلسطيني جهوده في البحث عن قواسم وطنية مشتركة معها . هذا مع ان البرجوازية لم تلتزم يوما بهذه القواسم ، بل كانت بالنسبة لها مجرد وسيلة للتغطية على استسلامها للعدو ، وبالتالي إحكام سيطرتها على الجماهير.
الوحدة الوطنية بين كافة طبقات الشعب خدمت مصالح البرجوازية ، وعرقلت امكانية اليسار تطبيق مهمته الاستراتيجية وطرح نفسه بديلا للبرجوازية الفاسدة.
ان النزعات اليمينية في اليسار العربي التي انتقدها اليسار بشدة في وثيقة الجبهة الديمقراطية التي وقع فيها خلل برنامجي جوهري في تشخيص طبيعة التحالف الوطني المطلوب ، فبدل ان تعتبر الوثيقة الطبقة العاملة والفلاحين عناصر التحالف الوطني العريض ، فقد حددت " ان البرجوازية يمكن وينبغي ان تبقى جزءا من التحالف الوطني، هنا قد اصابتها هي ايضا الآن. 
تقول الجبهة في وثيقتها : " ان الافكار والنظريات اليمينية والسياسات الذليلة في العلاقة مع البرجوازية الوطنية واسس التحالف معها ، وفي فهم دورها في الثورة الوطنية الديمقراطية ، شكلت على امتداد الفترة الماضية احدى العقبات الرئيسية على طريق اضطلاع الطبقة العاملة بدورها القيادي في حركة التحرر الوطني العربية ، واضعفت جناحها اليساري . انها عطلت انخراط احزاب الطبقة العاملة في نضال منهجي ودؤوب من اجل كسب الالتفاف الجماهيري حول سياساتها وبرامجها ، كبديل للنهج المتذبذب الذي سلكته القيادة البرجوازية ، ومن اجل احداث تغيير تراكمي في نسبة القوى الطبقية داخل الحركة الوطنية ، بما يسمح بتصدي الطبقة العاملة ، واليسار عموما ، لمهمة قيادتها.
" والاكثر من ذلك ان هذه الافكار والنظريات قد قادت الى ضياع عدد من الفرص الثمينة التي توفرت فيها فعلا موازين قوى تسمح بتقدم الطبقة العاملة لاحتلال موقعها القيادي ، والى الإحجام بقرار ذاتي عن المبادرة لارتياد الآفاق التي فتحتها تلك الفرص " . ( التقرير النظري الذي صدر عن المؤتمر الوطني الثاني للجبهة الديمقراطية عام 1981 ، في كتاب بعنوان " حركة التحرر الوطني في مواجهة التحالف الامبريالي - الصهيوني الرجعي ". )

فعلا ، كانت هناك فرص ثمينة ضاعت ، مثل الانتفاضة المجيدة (الانتفاضة الاولى) في المناطق المحتلة ، والتي كان للجبهة الديمقراطية الدور الريادي في تفجيرها من خلال اول بيان للقيادة الوطنية الموحدة . ولكنها بدل ان تستغل الفرصة التاريخية لشق طريقها المستقل في قيادة الشعب الفلسطيني وعزل البرجوازية الفلسطينية ، استمرت الجبهة بالتزامها المطلق بالوحدة الوطنية مع حركة فتح ، حتى بعد اعلان عرفات تنازله عن الميثاق الوطني وبدء الحوار مع امريكا.
وسرعان ما تحولت القيادة الموحدة للانتفاضة الى اداة بيد البرجوازية الفاسدة في تونس ، استخدمتها لتحدقيق اهدافها الطبقية الخاصة ، على حساب الطبقة العاملة الفلسطينية والجماهير اللاجئة.
ان البرهان على فشل السياسة التي اتبعتها اليسار الفلسطيني هو الانشقاق العميق الذي وقع في صفوف الجبهة الديمقراطية في اواخر عام 1988 . وكانت هذه عبارة عن الثمن الذي دفعته على تسليمها مقاليد الانتفاضة لعرفات بدل عزل نفوذه بين الجماهير ، فمكّنته بذلك من ضربها واحداث انشقاق عميق داخلها.
ان المفارقة التاريخية هي ان الانتفاضة التي تعتبر اكبر انفجار ثوري قام به الشعب الفلسطيني في تاريخه ، والتي كان المفروض ان تكون القاعدة لتنبؤ حزب الطبقة العاملة مركزه القيادي في حركة التحرر ، تحولت الى حافز للانشقاق الداخلي وبداية النهاية لنفوذ اليسار بين الجماهير.
فرصة اخرى انتفاضة الاقصى ، والتي كان لليسار الفلسطيني الدور الابرز في صياغتها ، ولكن سرعان ما فقد فرصته والتف حول شعار الوحدة الوطنية مع حركة فتح.
يعود السبب الرئيسي لهذا التراجع الى موقف اليسار المائع من البرجوازية ، والذي افسح المجال واسعا لتغلغل الموقف البرجوازي الاستسلامي حتى وصل الى اعلى هيئاته القيادية ، ودفع بالكثير من كوادره القيادية الى معسكر عرفات.
ولا يمكن بالطبع تجاهل الظروف الموضوعية التي ساعدت البرجوازية في نشر نفوذها بين الجماهير وفي صفوف اليسار. 
ان النفوذ الكبير الذي كان لهذه العناصر داخل اليسار لم يكن وليد الصدفة ، ولا تشكل بين ليلة وضحاها ، بل جاء بفعل سنوات طويلة من تعاون اليسار المطلق مع البرجوازية الوطنية الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية . وفي حين كان اليسار غارفا في اعتقاده الوهمي بان البرجوازية الفلسطينية لايمكن ان تخون برنامجها الوطني ، كانت البرجوازية منهمكة بالتخطيط لشق اليسار حفاظا على موقعها القيادي.
يمكن الاستنتاج بان مهمة اليسار الاستراتيجية التي تدعو الى تولي الطبقة العاملة قيادة حركة التحرر الوطني بالتعاون مع البرجوازية الوطنية ، كانت في الحقيقة محاولة للتهرب من مواجهة هذه البرجوازية . ان اغتيالات قادة بارزين في منظمة التحرير الفلسطينية اثناء الثورة ، والنظام القمعي الذي اسسته السلطة الفلسطينية لاحقا في المناطق المحتلة بالتعاون مع اسرائيل بعد اوسلو ، تبطل اية امكانية لبناء حركة تحرر مشتركة بين الطبقة العاملة والبرجوازية الخائنة التي لا تختلف بطبيعتها عن البرجوازية العربية.
والسؤال اليوم بعد ان انتقلت البرجوازية الفلسطينية الى خندق العدو كغيرها من الانظمة العربية ، اين يقف اليسار الفلسطيني وماهو برنامجه الاستراتيجي ؟ وهل مازال متمسكا بمهمته الرئيسية المتعلقة بقيادة حركة التحرر ؟ 
ويبدو ان هذه الاسئلة لا تستوقف اليسار اصلا ، وكل ما كان يفعله هو الانهماك في لقاءات الحوار الوطني مع السلطة لاقنعها بالتراجع عن التزامها باتفاقات اوسلو .!!! ولكن نجحت البرجوازية بجر اليسار الى معسكر اوسلو .
اما فيما يتعلق بعلاقة اليسار بالسلطة ، فيلخصها احد الرموز البارزة في الجبهة الديمقراطية بالقول التالي : " ليس ثمة في صفوف المعارضة من يطرح ، او ينوي ، او يدعو الى ، اقامة سلطة بديلة او سلطة موازية . وبهذا المعنى ، فان الاقرار بوحدانية السلطة قائم ومفروغ منه . اما ان تُطالب المعارضة ، اشتقاقا من ذلك ، باحترام الالتزامات المجحفة المُملاة على السلطة بموجب الاتفاقات ، فان هذا يعني افراغ المعارضة من مضمونها ".
هنا اذن بيت القصيد . فقد تنازل اليسار تماما عن طرحه ، او حتى نيته استبدال البرجوازية ، وينحصر كل مطلبه في الاعتراف بنشاطه كمعارضة سلمية تعبر عن رأيها دون ان تمسّ بشرعية السلطة.
والخلاصة انه مثلما حذت البرجوازية الفلسطينية حذو مثيلاتها في العالم العربي ، وتحولت الى نظام فاسد وقمعي كبقية الانظمة العربية ، دخل اليسار الفلسطيني ايضا في نفس المحنة التي حذر منها اليسار العربي سابقا ، وتحول بذلك الى جزء لا يتجزأ من ازمة اليسار المستفحلة.
حافظ عليوي/الحوار المتمدن

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال