Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

الأطفال العرب في الروايات شخصيات بلا لعب وحنان وأمان

الناقدة اللبنانية هبة ضاهر ترسم صورة الطفولة في المجتمع العربي عبر الروايات.

تعكس الروايات العربية اليوم الواقع في البلدان العربية حتى وهي تذهب إلى أبعد مدارات الخيال، إذ تشتبك الروايات مع العديد من الظواهر الاجتماعية في البلدان العربية التي تواجه الكثير من المصاعب في عالم متقلب. ولعل أكثر الشخصيات التي تتأثر بما يحدث في المجتمع هي الأطفال، التي وإن أهملتها الكثير من الأعمال الأدبية فقد أولتها أخرى الاهتمام والتركيز لفهم الواقع ومآلاته.

تأتي أهمية دراسة “صورة الطفولة في الرواية العربية.. نماذج مختارة من الروايات” التي نالت بها الناقدة اللبنانية هبة ضاهر درجة الدكتوراه من الجامعة اللبنانية أخيرا، من كونها تتناول موضوعا ندر تناوله في الدراسات النقدية العربية سواء منها الأكاديمية أو غيرها، وذلك من حيث السعي إلى تفكيك المرجعية القابعة خلف التمثيلات السردية في الرواية العربية، وتعرف القارئ العربي إلى مشكلات الطفولة الاجتماعية والجسدية والنفسية والتربوية في مجتمعات شبه مغلقة حينا ومنفتحة حينا آخر، وهي التي من خلالها تلتقط أدق المشاعر والإخفاقات والانكسارات والإكراهات التي تتناوب على هذه الطفولة في الوسط الذي تنتمي إليه، ويسيء أحيانا فهم انتساب هذه الطفولة إليه.

أطفال بلا مرح

تتساءل ضاهر في دراستها: كيف تمظهرت صور الأطفال في الرواية العربية وفق رؤى الكتاب لها؟ أكانت صورا سلبية أم إيجابية؟ وهل اختلفت هذه الرؤى باختلاف التوجهات أم لم تختلف؟ وتقول إن الدراسة تهدف إلى تقديم صورة عن الطفولة في المجتمع العربي، كما التقطتها الرواية العربية من خلال نماذج مختارة دالة على أزمة هذه الطفولة العربية في مرجعها العربي المصاب، وإلى الأطر الناظمة لحياتها، وما تنطوي عليه من صياغات تربوية وتشريعية وسياسية وفكرية ودينية واجتماعية وثقافية، في نماذج من الروايات العربية – مثالا وليس حصرا – مرتدية غير وجه عبر رؤية نافذة ومنظور حاد يتعالى عن التسطيح، ويتضمن قسوة عالية من التشريح المباشر وغير المباشر لأوضاع هذه الطفولة.

تسلط الناقدة الضوء على عصور المعاناة التي يعيشها الأطفال في العوالم النصية، وتقتلعهم من مرحلتهم العمرية لينوءوا بأعباء أكبر من براءتهم، وترسم المعاناة النفسية التي تعيشها هذه الشخصيات في مستواها الجواني جراء فقدها الشعور بالأمان والطمأنينة، وهي تعاني مهانة التشرد والفقر المدقع والأمية والخطف والعنف والحرمان من عاطفتي الأمومة والأبوة. كما تتركز في المقابل على النجاحات التي حققها الأطفال في محاضنهم وكيف شقوا طرقهم، وهم معافون سليمون من الانحراف، وتاليا فإن الأمرين كليهما يشكلان الصورة المرجو إبرازها في سياق الأطروحة، وهذه الروايات هي “عندما تمطر السماء حنينا” لسالم المعوش من لبنان، و”أم النذور” لعبدالرحمن منيف من السعودية، و”حكاية زهرة” لحنان الشيخ من لبنان، و”تغريدة البجعة” لمكاوي سعيد من مصر، و”أين ولدي؟” لوليد عودة من فلسطين.

الشخصيات الطفلية في الروايات تتسم بسمات وصفات خاصة بها تؤهلها كي تخوض صراعات في المتون الروائية

وحول اختيارها للروايات الخمس لتتناول صورة الطفولة تقول ضاهر “اخترت هذه المدونات الروائية تحديدا لأنها تتقصى صورا متنوعة للأطفال في مراحل زمنية متقاربة ومتعاقبة، وتعرض قضايا متنوعة لها علاقة بالطفولة العربية التي ترتبط بالتحولات الحاصلة في المحاضن الاجتماعية، وتنعكس عليها أثناء نشأتها، سواء أكانت هذه الانعكاسات سلبية أم إيجابية. فتتيح لي دراسة صورة الطفولة العربية في هذه الروايات النماذج التعرف إلى المنطلق الحياتي الذي عاشته هذه الشخصيات في عوالمها الروائية، وما تحمله من إتلاف وتباين في شخصياتها وظروفها الخاصة التي عاشتها، وأدت إلى صياغة حيواتها على هذا النحو الذي هي عليه في هذه المراحل الزمنية المتعاقبة، ثم تأطير صورة الطفولة العربية الكلية فيها، وتحديد الجذر الذي انطلقت منه هذه الحيوات الطفلية”.

وتلفت إلى أن طبيعة موضوع الدراسة اقتضت منها اعتماد المنهج البنيوي السردي الذي يعنى بمظاهر الخطاب السردي من حيث الأسلوب والبناء والدلالة، لاستخراج النظم التي تحكم القواعد الداخلية للنصوص الروائية وتحديد خصائصها وسماتها، وقد سعت باستخدام هذا المنهج إلى تحليل الخطاب السردي في الروايات النماذج موضوع الدراسة، بحسبانها بنية لغوية تحكي الحدث، والحدث بدوره يتضمن هذا الحكي في شكل بنية أي أنه نظام متوال من العلاقات، وإلى رصد وتحليل عناصر التشكيل السردي في الروايات النماذج موضوع الدراسة، للكشف عن الكيفية التي قدم من خلالها الروائيون صور الأطفال في المدونات الروائية، وهو ما دفعها كي تقسم الأطروحة إلى خمسة فصول، وقد جاءت الفصول وفق التوزيع والترتيب الآتيين، الأول: يدرس هويات الشخصيات الطفلية والثاني يدرس كيفية تشكل صور الشخصيات الطفلية في البناء السردي، والثالث يتناول الفضاء الذي تتحرك فيه الشخصيات الطفلية، والرابع يحلل تشكل صور الشخصيات الطفلية في الخطاب السردي، ويلقي الخامس الضوء على دراسة المنظور الروائي للشخصية الطفلية في الخطاب السردي.

وحول هويات الشخصيات الطفلية في السرد الروائي في الروايات النماذج تقول ضاهر “يرسم الروائيون شخصيات طفلية تنتمي إلى بيئات ومحاضن في دول عربية مختلفة، وهي لبنان ومصر وسوريا مع الإشارة إلى أنه لم يتم ذكر اسم البلد الذي جرت فيه أحداث رواية ‘أم النذور’، وتتسم هذه الشخصيات الطفلية بسمات وصفات خاصة بها تؤهلها كي تخوض صراعات في المتون الروائية من أجل أن تحقق تطلعاتها ورغباتها، لكنها لم تجنبها شعور الألم والمعاناة في مستواها النفسي، وراح ينعكس ذلك في أدائها الاجتماعي”.

وتضيف “كما توافقت قيم الأطفال، في الروايات النماذج موضوع الدراسة، الفطرية والمكتسبة مع تطلعات بعضهم إلى موضوعات رغباتهم، وكانت قيما إيجابية، وهو ما يدل على رقابة الشخصيات الطفلية الذاتية لنفسها، كما اكتسب البعض الآخر منها قيما سلبية أثناء صراعه مع من حوله من أجل تحقيق رغباته، وهذه القيم السلبية هي قيم مؤقتة، تعبر عن انفعالات الشخصيات الطفلية وتفاعلها مع المواقف التي تعرضت إليها، وعن نظراتها إلى العالم من حولها”.

ومن جانب آخر ترى أن الشخصيات الطفلية ترتسم في المدونات الروائية على أنها شخصيات لم تعش طفولة سوية، وتكاد تغيب الطفولة عن عالم هذه الشخصيات الطفلية، فكان الأطفال عرضة لقسوة الظروف في بيائتهم ومحاضنهم، فحنين في رواية “عندما تمطر السماء حنينا” يضطر إلى العمل حتى يكمل دراسته، وهو في عمر الثامنة، وسامح في “رواية أم النذور” يسيطر عليه الخوف بشكل كبير بسبب عدم رغبته في الذهاب إلى الكتاب، ويلجأ إلى الخرافة كي تنقذه من المأزق الذي ألفى نفسه فيه بعد أن تخلى عنه والداه. وزهرة في رواية “حكاية زهرة” طفلة يغلب عليها الصمت وتعاني في داخلها من الخوف والقلق وانعدام الأمان بسبب ما كانت تراه من خيانة والدتها لأبيها مع رجل غريب، وكريم في رواية “تغريدة البجعة” لا يدخل مدرسة ولا يتعلم، ويتعرض إلى الاغتصاب، ويترك البيت ويستقر في الشارع، وغسان في رواية “أين ولدي؟” يتعرض إلى الاختطاف والتهديد بالقتل.

 الروايات ترسم المعاناة النفسية التي تعيشها الشخصيات الطفلية في مستواها الجواني جراء فقدها الشعور بالأمان والطمأنينة

وتتابع ضاهر “يكشف تنامي الأحداث بعد صراع الشخصيات الطفلية مع ظروف مأزومة في بيائتها ومع شخصيات عرقلت تحركاتها عن هوياتها التي استقر عليها الحكي في المدونات الروائية، وهذه الهويات بدورها تبرز صفات في البناء الداخلي لهذه الشخصيات، وقد ساعدتها في مقاومة العراقيل التي اعترضتها، فمن الملاحظ أن الشخصيات الطفلية في الروايات النماذج موضوع الدراسة، باستنثاء زهرة في رواية ‘حكاية زهرة’، تتميز بالذكاء، فذكاء حنين وطموحه في أن يكون متميزا دفعاه كي يتحدى ظروفه ويدرس في المدرسة، وذكاء سامح الذي يفوق عمره دفعه كي يحلل المعلومات التي يتم الإدلاء بها إليه، ويختبر صحة الخرافة في بلدته ويكتشف بهتانها، ويرفض أن يعنف وأن تهان كرامته، وذكاء كريم الفطري وحبه للحرية دفعاه كي يكون مجموعة مختلفة ومتنوعة من أولاد الشارع يأتمرون بأمره، وذكاء غسان جعله يفطن إلى أن الخاطف ليس كما ادعى رجلا طيبا. فيتضح أن ذكاء هؤلاء الأطفال دفعهم إلى أن يكتشفوا سوء الواقع من حولهم، وأن يخططوا لما يريدون تحقيقه، وإلى استنتاج ما يدور حولهم من أمور، لكن هذا الذكاء لم تتسم به زهرة في رواية ‘حكاية زهرة’ فلم يذكر عنها سوى أنها كسولة في المدرسة، وهي لم تملك الأدوات والحوافز الكافية كي تدفعها حتى تتحرك وتحقق مبتغاها في السرد الروائي”.

وتشير ضاهر إلى أن الهويات النفسية للشخصيات الطفلية تنطلق من جذر مشترك وهو حاجتهم إلى حنان وعطف الوالدين والشعور بالأمان، وتظهر هذه الهويات غياب اللعب والمرح عن عالمهم، فحنين يفتقد حنان والده وعطفه ويلجأ إلى العمل والدراسة، وسامح يفتقد تعاطف والده معه في مستهل الحكي ومنتصفه كي يسانده في عدم ذهابه إلى الكتاب وتصير قضيته الشاغلة ترك الكتاب، وزهرة تفقد حنان والديها، وكريم يتعرض إلى التعنيف من والده، وهو ما يؤثر على نفسية الأطفال وعلى نظرتهم إلى أنفسهم، ونظرتهم إلى العالم من حولهم، ويدفعهم كي يتخذوا المسارات التي كشفت عنها الروايات النماذج، وتكشف الأحداث الروائية عن أنهم نشأوا في ظروف غير امتثالية لم تراع فيها حرمة طفولتهم.

تنوع المواقع

أطفال في بيئة غير متوازنة (لوحة للفنانة هيا حلاو)

أما الفضاء الذي تتحرك فيه الشخصيات الطفلية، فتوضح ضاهر أن الأمكنة في الروايات النماذج تحتوي على أحداث مهمة ترتبط باختراق الشخصيات الطفلية لهذه الأماكن، وهو ما يؤدي إلى استنطاقها، فتكشف الأحداث التي حصلت فيها عن زمنية الأمكنة وخطابها، وتندفع الشخصيات الطفلية كي تشتبك مع تاريخ هذه الأمكنة لترسي دعائم لتطلعات جديدة فيها، فإن تحرك الشخصيات الطفلية في الأمكنة استنطق تاريخها والاحتمالات المضمرة فيها، وامتزج الخيال بالواقع، وظهرت الأمكنة المفتوحة والمغلقة بنيات صيانية لعادات المجتمعات وتقاليدها وأفكارها التي أثرت في بناء الشخصيات الطفلية سلبا، ودفعتها كي تخوض صراعا معها.

وتشهد الأمكنة التي يتحرك فيها الأطفال تحولات في وظائفها التي كانت تؤديها، ومنها البيت في رواية “عندما تمطر السماء حنينا” الذي كان مصدر إزعاج وقلق إلى حنين، وقرر فيما بعد إلى أن يهدمه ويعيد بناءه ويقترح على أخواته العمل في غزل النسيج، ثم يعدل حنين على وظيفة هذا المكان فيتحول من بيت إلى دار، ويحصل تحول في بيت سامح الذي كان يقاوم قوى السلطة والإلغاء فيه التي يقوم بها الوالد، فيوافق على أن يذهب سامح في نهاية الحكي إلى المدرسة النظامية ويدرس فيها، فيدل تصرف الوالد عن انفراج في معتقدات البيئة الحاضنة لهذا الطفل، وتؤثر في اقتناعات الوالد، ويصير بيت سامح مكانا محبوبا بالنسبة إليه، ويبقى البيت حاملا للطابع الصياني للسلطة الأبوية في روايتي “حكاية زهرة” و”تغريدة البجعة”.

الشخصيات الطفلية في الروايات النماذج مكون روائي غني بالدلالات ومؤشر مهم لقراءة الأحداث فيها وفي العالم العربي

وفي ما يتعلق بتقنية “الراوي” في كل رواية من الروايات النماذج، فتؤكد ضاهر تنوع الرواة في الروايات بين راو من خارج الأحداث وراو من داخلها، شاهد أو مشارك، وهو ما يتيح تعدد وجهات النظر وتنوعها، فكانت شبيهة بالمرآه ذات الوجوه المتنوعة. وتقول “يعرض الرواة تفاصيل الأحداث والصراعات والعلاقات والأماكن التي تخترقها الشخصيات الطفلية، ويكشفون من خلالها عن تموضعهم في أماكن تتيح لهم أن يكونوا عيونا راصدة لتحركات الشخصيات الطفلية وتفاعلاتها مع الأحداث والشخصيات والأماكن في روايات ‘عندما تمطر السماء حنينا’ و’أم النذور’ و’تغريدة البجعة'”.

وتكشف مواقع الرواة عن قربهم من الشخصيات الطفلية في روايات “عندما تمطر السماء حنينا” و”أم النذور” و”تغريدة البجعة”، بينما يكشف الحكي عن قصور معرفة الراوي بالبنية الذهنية والنفسية للطفل غسان في رواية “أين ولدي؟”، ويسود نوع من الارتباك في السرد في رواية “حكاية زهرة” عندما تسترجع زهرة الراوية الشابة ماضيها بلغة طفلة.

كما تتنوع مواقع الأطفال في الروايات، ويؤدون أدوارا رئيسة فيها، ويختلف الخطاب الذي يقدمه الرواة عن الأطفال في الروايات النماذج باختلاف الرؤى في هذه الروايات، وبناء عليه تتنوع لغات الأطفال، وتتواءم مع الأدوار التي يؤدونها في المتون الروائية، فيستخدم الراويان في روايتي “عندما تمطر السماء حنينا” و”أم النذور” لغة شعرية، في حين تتسم اللغة بالتقريرية والموضوعية في رواية “تغريدة البجعة”. أما في رواية “أين ولدي؟” ورواية “حكاية زهرة” فكانت اللغة موضوعية تتخللها بعض الشعرية، وهو ما يكشف عن تنوع اللغة المستخدمة في الروايات النماذج موضوع الدراسة التي تتوافق مع حاجة السرد إليها، ووجهة النظر المبثوثة فيها.

مراحل مهمة مأزومة

هبة ضاهر: الهويات النفسية للشخصيات الطفلية تنطلق من جذر مشترك وهو حاجتها إلى حنان وعطف الوالدين والشعور بالأمان 

تؤكد ضاهر أن الشخصيات الطفلية في الروايات النماذج مكون روائي غني بالدلالات، ومؤشر مهم لقراءة الأحداث فيها، وقد رسم الروائيون لها صورا سلبية تعكس واقعها المأزوم في محاضنها، لكنهم لم يكتفوا بذلك، فأطلقوا العنان لهذه الشخصيات الطفلية كي تتمرد على أطر حياتها، وتسعى إلى تغيير واقعها وترسم صورا إيجابية لطفولتها.

تؤدي كل شخصية طفلية دورا يتوافق مع رؤية كل روائي إليها في الروايات النماذج، وقد ظهرت هذه الرؤى في بعض الأعمال رؤى كاملة صدرت من منظورات حيادية، وقدم البعض الآخر رؤى منقوصة عن هذه الطفولة كما في رواية “أين ولدي؟”، وأخرى محكومة بذات الكاتب كما في رواية “حكاية زهرة”، فتخرج الشخصيات الطفلية من البنى الداخلية للنصوص وتصطدم بواقع حاد، ويدفعها هذا الاصطدام إلى أن تتحرك بعد أن تشكل رغباتها عوامل مرسلة إليها تحركها كي تحقق ذاتها وأهدافها التي تتعارض مع واقعها البائس، فتخوض صراعات في الأمكنة وتكشف هذه الصراعات عن تنامي الشخصيات الطفلية وعن ابتنائها الداخلي باستثناء زهرة في رواية “حكاية زهرة”.

شخصيات طفلية تكشف ملامح الواقع (لوحة للفنانة هيا حلاو)

معظم الشخصيات الطفلية في الروايات النماذج موضوع الدراسة تتطور، وتعبر تحركاتها عن رؤى جديدة وتخترق أمكنة تعكف على أفكارها ومعتقداتها، وأخرى تسهم في بناء أفكار الأطفال وشخصياتهم. تنطلق الشخصيات الطفلية في المتون الروائية من جذر مشترك هو جذر معارضة الواقع لتطلعاتها التي تشكل حلما من أحلامها وحقا من حقوقها، وتختلف في موضوعات رغباتها، وتشترك في بعض العوائق التي واجهتها، وتحقق معظم هذه الشخصيات الطفلية رغباتها.

وتخلص ضاهر إلى أن الروائيين سالم المعوش وعبدالرحمن منيف وحنان الشيخ ومكاوي سعيد ووليد عودة، قد صاغوا مراحل مهمة مأزومة تعيشها الطفولة العربية على امتداد زمني لا بأس به، وعرضوا بعضا من المآسي التي تحياها هذه الطفولة في غير قطر عربي بجذورها التاريخية المتراكمة في غير صعيد، مضافة إليها قضايا جديدة وليدة التغيرات البنيوية الحاصلة في هذه الدول التي تشكل محاضن الأطفال، وقدموا من خلال هذه الأعمال الروائية دعوة للقارئ العربي إلى ضرورة الوقفة الجادة مع النفس للانتفاض على الأوضاع القائمة، فأوضاع الطفولة العربية رهينة بقدرة المعنيين والقائمين على رعايتها، وعلى محاسبة النفس والسعي إلى بناء قواعد جديدة تنهض عليها حياة هؤلاء الأطفال، عبر زحزحة مفهومات راكدة في جوهر الثقافة العربية، واقتراح بدائل لها لا تعيق التواصل مع الطفولة العربية، وهذا يقتضي فتح مسارات جديدة للنقد الذي أداه الأطفال في الروايات النماذج من منظوراتهم الطفلية، وسعوا إلى تقبل أفراد المجتمع لهذا النقد والعمل به.

ويقترح الروائيون من خلال عرض صور الأطفال في هذه الروايات النماذج فتح مسارات جديدة للتعرف إلى التركة العربية قبل انهيار مضمونها في نظر أبنائها من بوابة الطفولة، وإن هذه المحاضن العربية التي اشتمل عليها الحكي في الروايات النماذج تنبثق من جذور مرجعية، شكلت مركزيات ثقافية سواء أكانت مركزيات دينية أم سياسية أم اجتماعية، وأن أبناء هذه المحاضن الذين أعاقوا تحركات الأطفال وسعيهم نحو تحقيق أهدافهم في الروايات النماذج موضوع الدراسة، هم أنفسهم نتاج بيئات ضيقة، وأرادوا أن يصوغوا الطفولة في العصر الحديث وفق التربية التي تلقوها من ذويهم في السابق، ورغم أن الروائيين طرحوا صورا مختلفة لهؤلاء الأطفال، إلا أن سرودهم كانت تلتقي عند رؤية عامة مشتركة، وهي أن هذه الطفولة هي المستقبل الواعد في مجتمعاتها، وأنها تسعى لأن تترك الخط الدوري من الأفكار والثقافات التي تلقتها في بيئاتها ومحاضنها الاجتماعية، وتعلن عن فتح مسارات جديدة تطل بها على الحياة وهي مزودة برؤى واقتراحات جديدة.

محمد الحمامصي - كاتب مصري - العرب اللندنية

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال