إجراءات كبح الأسعار كانت دون فائدة.
تأثرت موازنات الأسر الجزائرية بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية خلال شهر رمضان، رغم إجراءات الكبح التي اتخذتها الحكومة. وقد عرفت الأسواق الجزائرية موجة الغلاء قبل بدء رمضان، لتضاف إلى موجة غلاء بدأت قبل أشهر بسبب تداعيات جائحة كورونا، وتبعات الحرب الروسية – الأوكرانية. وهربا من الغلاء، لجأ العديد من الجزائرين إلى موائد الإفطار.
يوصف رمضان الحالي بأنه أحد أكثر الأشهر كلفة ماليا في تاريخ الجزائريين، بسبب ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، والتي حاولت السلطات كبحها بإجراءات عدة ولكن دون فائدة.
بوادر الغلاء في الأسواق الجزائرية بدأت قبل رمضان بمنحى تصاعدي، لتضاف إلى موجة غلاء بدأت قبل أشهر بسبب تداعيات جائحة كورونا التي مست أغلب دول العالم، ثم تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية.
وقبل حلول رمضان بأسابيع، شهدت الجزائر ندرة في بعض المواد الاستهلاكية على غرار الزيوت الغذائية والسميد، وتشكلت طوابير أمام المتاجر طلبا للحصول عليها في عدة ولايات.
وفي الرابع من أبريل الجاري، نشر الديوان الوطني للإحصائيات (تابع لوزارة المالية) تقريرا، أكد فيه أن أسعار المواد الفلاحية ارتفعت بنسبة 3.2 في المئة، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 2 في المئة خلال فبراير.
وأفاد بأن أسعار لحوم الدواجن ارتفعت بأكثر من 19 في المئة، وأسعار الخضر بـ8.2 في المئة خلال نفس الفترة. ومقارنة مع فبراير 2022، فإن أسعار المواد واسعة الاستهلاك في الجزائر، ارتفعت بنسبة 9 في المئة، فيما بلغ معدل التضخم على أساس سنوي 9.3 في المئة.
وقبل حلول رمضان، حاولت السلطات استباق التهاب الأسعار بإجراءات عدة، منها فتح العشرات من الأسواق الجوارية (عبر الأحياء)، من أجل ضمان وفرة السلع أمام المواطنين بسبب تزايد الطلب.
ويوم العشرين من مارس، أي قبل بداية شهر رمضان، وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حكومته بالمزيد من الضبط والتنظيم، وخصوصا في المدن الكبرى، في ما يتعلق بالتموين، تفاديا لأي شكل من أشكال التذبذب والمضاربة في السلع.
وقبلها، أعلنت الحكومة عن اللجوء إلى استيراد اللحوم الطازجة من السودان وعجول حية من البرازيل، من أجل كسر ارتفاع الأسعار، لكن هذه الخطوات لم تفلح في تحقيق المبتغى، بحسب مراقبين.
وحسب وزارة الفلاحة (الزراعة)، فإن أكثر من 5 آلاف عجل حي دخلت من البرازيل منذ بداية رمضان، ستوجه للمذابح عبر ولايات عديدة وتسوق بسعر مسقف بـ1200 دينار للكيلوغرام (8.88 دولار).
بوادر الغلاء في الأسواق الجزائرية بدأت قبل رمضان، لتضاف إلى موجة غلاء بدأت قبل أشهر بسبب تداعيات الجائحة
كما تم جلب ماشية من دول الساحل الأفريقي (مالي والنيجر) إلى ولايات جنوبية، في إطار تجارة المقايضة، بهدف زيادة المعروض من اللحوم الحمراء.
وطيلة الأيام الأولى لشهر رمضان، سجلت أسعار اللحوم الحمراء مستويات قياسية في حدود 2200 دينار جزائري للكيلوغرام (16.3دولارا)، أي بارتفاع بنسبة 57 في المئة مقارنة برمضان 2022، حيث كانت بمعدل 1400 دينار للكيلو (10.4 دولار).
ونفس الشيء بالنسبة للحوم البيضاء التي سجلت أسعارها ارتفاعا جنونيا لم يسبق أن شهدته البلاد من قبل، بحيث بلغت 520 دينارا للكيلوغرام الواحد (3.85 دولار). في حين كان معدل الأسعار في رمضان 2022 في حدود 350 دينار للكيلوغرام الواحد (2.59 دولار).
أما الخضراوات فقد شهدت أغلبها ارتفاعا بنسب تتراوح بين 20 و50 في المئة، وأثارت أسعار البصل ضجة بعد أن قفزت من 50 إلى 300 دينار خلال رمضان، حيث تضاعفت 6 مرات في ظرف أيام فقط.
وخلال مناقشة قانون للنقد بالبرلمان في الأيام الماضية، رد وزير المالية عبدالعزيز فايد على تساؤلات للنواب حول سبب الارتفاع الجنوني للأسعار، بالتأكيد أن سبب التضخم الذي تشهده السوق خارجي بفعل تداعيات جائحة كورونا وأيضا لأسباب داخلية مثل المضاربة في الأسعار.
وتحول البصل إلى مادة دسمة للتندر والسخرية على المنصات الاجتماعية، بالنظر إلى المستوى التاريخي الذي بلغته أسعاره، وانتقل حسب نشطاء من صنف الخضراوات إلى “الفواكه” بسبب سعره.
وأفاد مصطفى زبدي، رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة)، بأن أسعار بعض المنتجات خلال رمضان بلغت مستويات أسعار لم تصلها من قبل على الإطلاق.
وأوضح زبدي في حديث للأناضول أن الغلاء لم يكن معمما وشاملا، لكنه طال منتجات معينة خصوصا الفلاحية. وأضاف أن “أسعار منتجات مدعمة من طرف الدولة (السميد والزيت والسكر والحليب)، عرفت نوعا من الاستقرار خلال رمضان، وتم تسويقها بأسعار معقولة من طرف دواوين حكومية”. واستدرك بالقول “لكن هناك منتجات زراعية على وجه الخصوص، وصلت أسعارها إلى مستويات قياسية غير مسبوقة لم تصلها من قبل”.
وأشار رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين الطاهر بولنوار إلى أن أسعار بعض المنتجات شهدت بالفعل ارتفاعا قياسيا هو الأعلى في تاريخها، على غرار اللحوم وبعض الخضراوات والفواكه، مقابل وفرة في معظم السلع والبضائع خلال رمضان.
وذكر الطاهر بولنوار في حديث للأناضول أن رمضان 2023 تميز بوفرة في المواد الاستهلاكية والغذائية بشكل خاص، بالنظر لما تم الترويج له قبل حلول الشهر الفضيل من خطر حدوث ندرة في عدة منتجات. وأضاف “أسعار اللحوم وبعض الخضر والفواكه، شهدت بالمقابل ارتفاعا قياسيا مقارنة بالسنوات الماضية.. ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء يعود إلى نقص الإنتاج المحلي من هذه المادة”.
خمسة آلاف عجل حي دخلت من البرازيل منذ بداية رمضان، ستوجه للمذابح عبر ولايات عديدة وتسوق بسعر مسقف بـ 8.88 دولار للكيلوغرام
وختم بالقول “الإجراءات الحكومية لاستيراد لحوم طازجة من الخارج (السودان)، إضافة إلى عجول حية موجهة للذبح، لم تسهم في إنقاص الأسعار، لكنها منعت ارتفاعا كان سيكون أكبر”.
ويتواصل النقاش في الجزائر حول أسباب ارتفاع أسعار عدد من المواد الغذائية واسعة الانتشار خلال شهر رمضان، في الوقت الذي كان يُتوقع أن تنخفض الأسعار بالنظر إلى الإجراءات التي اتخذتها السلطات قبيل رمضان، وبالنظر إلى تطبيق قانون مكافحة المضاربة والاحتكار الذي يتضمن عقوبات مشددة.
وأكد الخبير الاقتصادي الجزائري سهيل مداح أن العام الحالي يشهد “ارتفاعا غير معقول لأسعار بعض المواد الاستهلاكية”، وهو ما يرجعه إلى عدة عوامل، بينها ما يرتبط بسلوك المستهلكين خلال شهر رمضان، محملا أيضا المسؤولية في هذا الوضع لـ”بعض التجار الذين تعمدوا رفع الأسعار” إثر الزيادة في الرواتب.
وقال مداح “هناك عامل آخر مهم أيضا يتعلق بالطلبات المبالغ فيها على بعض المنتوجات في شهر رمضان، وهو سلوك استهلاكي غير مبرر يساهم أيضا في بروز ظاهرة أخرى نسميها في العلوم الاقتصادية “مخازن الحرب”، حيث يلجأ بعض التجار إلى احتكار المواد التي يكثر عليها الطلب في السوق، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها كذلك”.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت مؤخرا عن قرار يتعلق برقمنة عملية إنتاج وتسويق بعض المواد الغذائية من أجل التحكم في السوق المحلية. وبخصوص هذا الإجراء قال مداح “لا أعتقد أن من الممكن التحكم في الاضطرابات التي تشهدها أسعار بعض المواد الغذائية في الجزائر بشكل آني ومستعجل”.
وأشار إلى أن “إعادة تنظيم النشاط التجاري تحتاج إلى مراجعة جذرية، تبدأ بوضع برنامج وطني شامل وآليات عملية لتنفيذه، وهذا الأمر يتطلب بعض الوقت”.
ميادين - العرب اللندنية
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال