لا ترى أم أحمد فاضل (76 عاماً)، المتحدرة من ريف إدلب، فوارق بين العادات التركية والسورية خلال شهر رمضان، سواء في الطعام أو أساليب العبادة، بل أموراً مشتركة كثيرة تقترن بالديانة والقرب الجغرافي، "لدرجة عدم شعور السوريين بغربة"، لكنها تتحسر على أن لشهر رمضان نكهة خاصة في بلدها، وتقول لـ"العربي الجديد": "رغم عدم الاختلاف الجذري في العادات المتبعة، لكن التآلف والتكافل في سورية أكبر، وبينها عادة تبادل أطباق الطعام بين الجيران قبل آذان المغرب، ما يجعل المائدة تتنوع بالمأكولات لدرجة عدم معرفة أفراد العائلة أي طبق أعدّ في المنزل، خشية أن يشتهيه الجار بسبب انتشار الرائحة. أما في تركيا فتتراجع هذه العادة في المدن باستثناء جيراني الذين اعتادوا على طباعنا منذ ثماني سنوات، واستجاب بعضهم لعادة تبادل الأطباق، في حين لم يتجاوب آخرون معها لأنها لم ترقّ لهم".
وتشير إلى نقطة خلاف أخرى يجب ذكرها، و"تتمثل في دعوة الأهل الأولاد وأسرهم في أول يوم رمضان، كي يجمع الإفطار كل أفراد العائلة، ثم تتنقل الدعوات من الأولاد تباعاً، فتمر الأيام الأولى لرمضان في سورية بتلبية دعوات الإفطار خارج المنزل. وتطبق هذه العادة في تركيا، لكنها تتراجع وتنفذ بطريقة معكوسة عبر دعوة الأولاد الوالدين، خصوصاً إذا كانا متقدمين في السن".
وتلفت أم أحمد إلى أن "السوريين يعيشون الهاجس الأكبر لطعام الإفطار من الأتراك، فهم يفكرون منذ حلول الظهيرة بماذا سيأكلون ويطبخون ولمن سيوزعون مأكولات، فترى موائد رمضان متنوعة بالطعام والعصائر والتمر والحلويات. أما الأتراك فأكثر اقتصاداً من السوريين، ويكثرون تناول الشوربة والمعجنات مع تخصيص طبق واحد. كما أن وجبة السحور مختلفة، فنحن اعتدنا على تناول وجبات رئيسة تزيد عن الإفطار ونسخنها خلال السحور، إضافة إلى المربيات والجبن والبيض المسلوق والمقلي، في حين تأتي البيدا، وهي معجنات تبيعها الأفران حتى آذان الفجر، باعتبارها المكوّن الأهم لوجبات سحور الأتراك، إلى جانب الألبان والمربيات والعسل".
تغييرات
ويحتفظ معظم السوريين في تركيا بالعادات الرمضانية لبلادهم، لأسباب كثيرة بحسب الباحث محمد حاج خلف، وبينها سكنهم بعضهم في جوار بعض في أحياء ومناطق معينة، أهمها حي الفاتح في إسطنبول الذي يغلب السوريون عليه، ويشهد طقوساً رمضانية سورية بحتة. وتُمكن بالتالي رؤية محلات خبز المعروك و"الناعم" وعرق السوس والتمر هندي، فضلاً عن الطبخ الرمضاني والحلويات السورية. وينسحب ذلك على مناطق وأحياء أخرى نقل السوريون إليها كل عاداتهم الرمضانية، وأحدها حي اسينيورت الذي يقطن فيه أكثر من 100 ألف سوري، ويشعر فيه المرء أنه في مدينة سورية.
ويرى حاج خلف أيضاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "قلة اندماج الأتراك مع السوريين يشكل عاملاً ثانياً مهماً في احتفاظ السوريين بعاداتهم الرمضانية، وإبقاء مسافة بين المجتمعين التركي والسوري، والتي زادت خلال السنوات الأخيرة بتأثير حالات بث الكراهية وانتشار التنمّر التي بثتها بعض الأحزاب، وبتنا نلمسها في تصريحات كثيرة. فالحقيقة أن السنوات الأولى للجوء كانت مختلفة على صعيد نظرة الأتراك إلى السوريين الذين كان يتلقون مساعدات بالجملة من الأتراك فور سماعهم كلمة مهاجرين، خصوصاً خلال شهر رمضان وعيد الأضحى. لكن هذه النظرة تبدلت اليوم، وصار معظم الأتراك ينظرون إلى السوريين باعتبارهم أخذوا حصصهم في العمل والغذاء، وتسببوا بالبطالة والفقر".
ويضيف حاج خلف أن "كل العادات الرمضانية متقاربة في بلاد المسلمين، لكن الأتراك أقل إنفاقاً وتخزيناً للسلع من السوريين في تركيا الذين يشترون سلعاً أكثر بحلول شهر رمضان، ما يثير دهشة الأتراك وربما امتعاضهم، خصوصاً في ظل حال الغلاء وتراجع عرض منتجات القمح والزيوت".
ويشير إلى وجود محلات سورية ومصانع أيضاً توفر الاحتياجات الرمضانية المعتادة للسوريين، وبينها معامل مربيات ومنشآت لصناعة القمح والحلاوة الرمضانية نقلت أعمالها إلى تركيا، وحتى مطاعم سورية تعرض وجبات رمضانية تشمل طبخاً ومعجنات وعصائر.
روحانية سورية
وحول تأثير السوريين في عادات بعض الأتراك والولايات، يرى حاج خلف أن السوريين دمغوا طباع بعض الولايات، وبينها ولاية كلس التي وصلت فيها نسبة السوريين إلى 74.8 في المائة، ما يعني أنه يعيش فيها ثلاثة سوريين في مقابل تركي واحد. في المقابل، تلاشت العادات الرمضانية للسوريين بالكامل في ولايات أخرى مثل بايبورت التي لا يزيد عدد السوريين فيها عن 25 شخصاً.
وفيما تتسلط أضواء الوجود الأكبر للسوريين على مدينة إسطنبول التي يسكنها 524 ألفاً منهم، وغازي عنتاب التي يوجد فيها 450 ألف سوري، يزيد تجمع السوريين في أحياء محددة ببعض الولايات ظهور طقوس السوريين، خصوصاً خلال شهر رمضان والأعياد.
لكن أم محمد المتحدرة من حلب، والتي تسكن في منطقة الفاتح، ترفض أي محاولة لتصوير السوريين بأنهم ينتظرون رمضان كي يأكلوا، وتقول لـ"العربي الجديد": "رمضان هو شهر العبادة والشعور بالفقراء. ويتصدّق السوريون في هذا الشهر ويركزون على العبادة، وعادات تبادل الطعام تهدف إلى المساعدة وتقديم الصدقة".
تضيف: "طقوس رمضان في بلادنا أكثر روحانية منها في تركيا، فهنا ترى المطاعم مفتوحة وتجد المفطرين علناً في الشوارع، في حين تشهد سورية التزاماً أكبر بالطقوس، ومراعاة أكبر لمشاعر الصائمين، ومسيحيو سورية يلتزمون طوعاً وحباً بطقوس رمضان، علماً أن العادات واحدة بعمقها، لكنها تختلف بحسب الحريات والتطوّر وطبيعة الغذاء والعادات في كل بلد".
طقوس تركية
وعن التقارب والاختلاف في العادات، تقول التركية عائشة بوستان التي تعيش منذ 7 سنوات في جوار سوريين بحي درامان: "العادات متقاربة جداً، لكن جيراني السوريين أكثر تفرغاً للطعام منّا، وهم لا يزينون المنازل كما نزينها فنحن نضع فوانيس ونهتم بالعطور خلال شهر رمضان".
تضيف: "لا نطبق كل طقوس العبادة في سورية، ونهتم أكثر بالجانب الروحي المتمثل في قراءة القرآن والدعاء، كما لدينا مسحراتي، وننفذ عادة تبييض ديون المحلات في هذا الشهر، حيث تتكفل جمعيات ورجال أعمال وأحياناً بلديات في إيفاء ديون الفقراء في هذه المحلات، من دون أن يذكروا أسماءهم".
وحول أهم المأكولات التركية في شهر رمضان، فتعددها عائشة بطبق الشوربة والسلطات ومعجنات "البيدا" و"السميت" ووجبة داود باشا، أما خلال السحور فيجرى التركيز على تناول العسل والمربيات، و"لا نأكل وجبات دسمة كما يفعل بعض السوريين".
وتتحدث أيضاً عن "انتشار موائد الرحمن في الساحات العامة، وهي عادة رمضانية يتكفل بها الأغنياء والبلديات بهدف إطعام المحتاجين، أكانوا أتراكاً أو أجانب، وعادة توزيع الطعام على المصلين النساء والرجال داخل المساجد، والعصائر والحلويات لترغيب الأطفال، وكذلك عادة الذبائح وتوزيع اللحوم التي تقول إنها لم ترها لدى السوريين الذين يذبحون في عيد الأضحى فقط".
وفي حين تظهر عائشة امتعاضها من سهر السوريين حتى السحور، تشيد بفصاحة قراءة السوريين القرآن الكريم وإطلاق الدعاء، وتقول "بعض المساجد التي يؤم فيها سوريون تشرح الصدر". كما تشيد بالعادات السورية الخاصة بتبادل الطعام والدعوات المنزلية المستمرة، والتي زادت بعد لجوئهم إلى تركيا ربما لشعورهم بالغربة، علماً أن هذه العادات تلاشت في المدن التركية، لكنها تبقى في القرى والأرياف.
ميادين - العربي الجديد
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال