أجهزة الأمن تتعامل مع كل محتوى يتعارض مع العرف باعتباره خطرا يهدّد الأمن.
تتخذ الحكومة المصرية إجراءات صارمة ضد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي لضبط المحتوى المقدم، بعدما أصبحت تستخدم لتحقيق أغراض مادية بطرق غير شرعية من خلال جمع أكبر عدد من المتابعات وزيادات المشاهدات، واستثمارها لاحقا في تكوين قاعدة جماهيرية تُستغل أحيانا في أغراض مشبوهة.
وأعلنت وزارة الداخلية الخميس الماضي، ضبط مستخدم في محافظة الإسكندرية شمال غرب القاهرة، بعد نشره مقطعي فيديو على تطبيق “تيك توك” يؤدي فيهما حركات استعراضية في الشارع، ولم يوضح بيان الداخلية مصير المستخدم أو المخالفة القانونية التي ارتكبها، وتم التعامل مع صاحب الفيديو على أنه يسخر من أفراد الأمن.
وظهر في الفيديو أن الشاب تعمّد الرقص على مقربة من تواجد بعض العناصر الأمنية كأنه لا يعيرها اهتماما، وفي مقطع آخر قام بحركات استعراضية أمام السيارات، وهي تستعد للتحرك بعد انتهاء وقت توقفها بسبب إشارة المرور، ثم قام بنشر المقطعين على تطبيق “تيك توك” كنوع من التباهي بما فعله أمام الشرطة.
وضبطت أجهزة الأمن في اليوم نفسه مجموعة من الشباب إثر نشرهم مقطع فيديو على “تيك توك” أيضا يقومون فيه بمشهد تمثيلي ساخر ظهر فيه أحد الأشخاص يؤدي الصلاة، ومن خلفه شخصان يحاولان سرقة متعلقاته وتعطيله عن الصلاة، فيما تظهر إحدى الفتيات لمنعهما.
فاروق المقرحي: مواقع التواصل ليست ملكية خاصة طالما يُنشر محتواها للعامة
وكشفت تحقيقات النيابة العامة أن الشبان الثلاثة كانوا يسخرون من فريضة الصلاة، بأداء مشهد لنشره على منصات التواصل الاجتماعي، وانقسم جمهور منصات التواصل بين فريقين، أحدهما يؤيد التعامل بصرامة مع صانعي المحتوى الرقمي على المنصات بعدما أساء الكثير منهم استغلالها وقاموا بتوظيفها لتحقيق أكبر قدر من المشاهدات، رغم أن المحتوى المقدم يتنافى مع القيم والأخلاق والقوانين.
وذهب فريق آخر إلى أنه لا يحق لأجهزة الأمن التلصص على أصحاب المحتوى الرقمي بمنصات التواصل ومراقبة كل كبيرة وصغيرة يقومون بها، لأن ذلك يتعارض بشكل كلي مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقتها الحكومة وتتيح للمواطنين حرية القول والفعل، طالما يتم الالتزام بالمعايير التي يحدّدها القانون.
وصار أغلب جمهور منصات التواصل في مصر يتعاملون معها باعتبارها الإعلام الحقيقي، والحكومة كذلك، وأصبح هناك خلاف واضح بين الطرفين في كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية بشكل لا يتعارض مع القانون ولا يخل بالتقاليد، ولم يصل عامة الناس والحكومة إلى نقطة اتفاق على الطريقة التي يجب أن تستخدم بها المنصات.
ولدى وزارة الداخلية والنيابة العامة في مصر وحدات رصد مهمتها رقابة المحتوى المقدم على مواقع التواصل إلى درجة عدم انتظار تقدم المواطن ببلاغات رسمية، وتقوم النيابة أو أجهزة الأمن من تلقاء نفسها بضبط المتورطين في نشر فيديوهات أو محتويات يرفضها القانون، حتى لو كانت مجرد رقصة في الشارع، المهم ألا يتم استغلال ذلك في الترويج لأفعال مشينة تتحول لاحقا إلى ظاهرة.
ولدى أجهزة الأمن حساسية مفرطة من أي محتوى يمكن تصويره في الشارع أو الأماكن العامة ونقله إلى الفضاء الإلكتروني، في حين أنها كثيرا ما تتهاون في إغفال المحتويات التي جرى تصويرها في نطاق خاص، وهي رسالة ترهيب مفادها أنه لن يُسمح بالإخلال بالنظام العام أو اختراق القانون الخاص بعدم التصوير في الشوارع.
ويقول خبراء إن الأزمة أبعد من فيديو لشباب يسخرون أو يقدمون محتوى راقصا في الشارع، فالقضية برمتها ترتبط بأن الحكومة تسعى إلى ضبط الفوضى التي تحدث على منصات التواصل عبر استخدام أساليب الترهيب بالحبس والغرامة كي لا يكون الإعلام البديل – الرقمي مستباحا من أي أحد.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن الحكومة عندما أحكمت سيطرتها على الإعلام التقليدي حتى أصبح خاضعا لها، أرادت أن تسيطر أيضا على مواقع التواصل وتجبر روادها والنشطاء على المنصات المختلفة على عدم التغريد خارج السرب ومنع توظيفها في التربح المالي أو زيادة نسب المشاهدات وأعداد المتابعين بأي وسيلة، لأن بعض العناصر المناوئة للسلطة قد تقوم بشراء هذه الصفحات مستقبلا.
وقال اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق إن “الفوضى التي أصبحت تضرب شبكات التواصل الاجتماعي تمثل خطورة على الأمن القومي، ولن يتم القضاء عليها إلا بوجود أدوات ردع لمن يخالفون القانون والأعراف، فالرقص أمام السيارات في الشارع أو السخرية من الصلاة لا علاقة لهما بالحريات الشخصية”.
وأضاف المقرحي وهو عضو بمجلس الشيوخ لـ”العرب”، أن “بعض العناصر التابعة لتيارات معارضة ومتشددة تقوم بشراء صفحات إلكترونية لها جماهيرية على منصات التواصل الاجتماعي لاستغلالها في استهداف الدولة والتحريض ضد مؤسساتها، ويتم رصد مبالغ ضخمة نظير توظيفها سياسيا، وهذا ما انتبهت إليه أجهزة الأمن، لكن ذلك لا يعني أنها تضيّق على أصحاب المحتوى الذين لا يثيرون البلبلة”.
أجهزة الأمن لديها حساسية مفرطة من أي محتوى يمكن تصويره في الأماكن العامة ونقله إلى الفضاء الإلكتروني
ولفت إلى أن ضبط فوضى منصات التواصل يحتاج إلى “قانون وليس اجتهادات من الداخلية” لضبط تصرفات الناس بشكل يضعها في مرمى المزايدات، وليعرف كل مقدم محتوى أنه لو تجاوز أو أخل بالنظام العام سيضع نفسه تحت طائلة القانون والمحاسبة، لأن “مواقع التواصل ليست ملكية خاصة طالما يُنشر محتواها للعامة”.
ويحظر القانون حاليا القيام بعمليات تصوير أيا كان نوعها، في الشوارع والميادين أو الأماكن العامة والحكومية دون الحصول على تراخيص مسبقة من الجهات الأمنية، وهو التشريع الذي تم إقراره بعد انفلات أمني واسع حدث عقب ثورة 30 يونيو 2013، خشية نقل أماكن المرتكزات الأمنية أو توظيف الصور لصالح تيارات مناوئة تستغلها لتشويه صورة الدولة.
ويخشى متابعون أن تكون المساعي الحكومية للتعامل مع السلوكيات الشخصية بمنصات التواصل جزءا من تحقيق الانضباط الأمني والاجتماعي والسياسي، لأن ذلك يقود إلى التوسع غير المنضبط في رقابة مقدمي المحتوى وضبط كل من يخالفون العرف المتبع بشكل يضع أغلب مستخدمي المنصات في مرمى الحبس أو الغرامة.
وإذا كان الأمر بحاجة إلى المزيد من ضبط المحتوى والرقابة لوقف الفوضى الحاصلة على مواقع التواصل، فوفق بعض الحقوقيين لا يجب أن تنصاع أجهزة الأمن وراء غضب الشريحة التي تتعامل مع كل محتوى إعلامي يتعارض مع العرف، باعتباره خطرا يهدد الأمن والأخلاق، لأن ذلك يتنافى مع ما تنشده الدولة من توسيع للحريات.
ميادين الحرية - العرب اللندنية
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال