تعيش محافظات تونسية على وقع احتجاجات غير مسبوقة تقودها "التنسيقيات الجهوية" لشباب طال أمد بطالتهم، مما خلف شللا بقطاعات حيوية، وسط تحذيرات من تأزم الأوضاع وتشكيك في عفوية بعض التحركات.
وتعيش مدن عدة غليانا شعبيا بسبب توقف مرافق أساسية عديدة على غرار الغاز المسال بعد إغلاق الشباب المحتجين المجمع الكيميائي بمحافظة قابس جنوبي شرقي تونس.
ويدين محمد عمار عضو "تنسيقية الصمود 2" بالمجمع الكيميائي في قابس، حملة التشويه التي تستهدف التنسيقيات الجهوية في أكثر من محافظة، مؤكدا أن أغلبها تحرك بشكل عفوي بعد "تملص الحكومات المتعاقبة من التزاماتها ووعودها للمعطلين بالتنمية والتشغيل".
وشدد في تصريحه للجزيرة نت على أن حراكهم عفوي ولا تحركه لا أحزاب ولا منظمات نقابية، مشيرا إلى أن الاعتصام الذي انطلق منذ سنة 2015 يتخذ اليوم شكلا جديدا من أشكال التصعيد بغلق المجمع الكيميائي برمته.
ويرى كثيرون أن نجاح تجربة الشباب المعتصمين في المنطقة النفطية بمحافظة تطاوين، أو ما بات يعرف بـ"تنسيقية اعتصام الكامور"، والذي أجبر الدولة على الرضوخ لمطالبهم بعد غلق حقول الإنتاج، فتح شهية الشباب المعطلين بمحافظات أخرى لافتكاك مطالبهم بالقوة.
تحذيرات من انهيار الدولة
وبدأت بالمقابل أصوات سياسيين تعلو محذرة من الفوضى ومخاطر تفكك الدولة، ومتهمة جهات من داخل السلطة بالوقوف وراء تأجيج الاحتجاجات، وموجهة أصابع الاتهام لرئيس الجمهورية قيس سعيد.
وحذر رئيس حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق رئيس الجمهورية من مغبة "اللعب بالنار"، داعيا إياه في تصريح إعلامي محلي إلى "عدم الاعتقاد بأن تكون الفوضى عاملا لكسب مشروعية ثورية".
وسبق أن كشف الرئيس إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية أنه "سيُقدم مبادرة تشريعية من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي بهدف دعم الحكم المحلي والتنمية المحلية".
وأكد سعيد في السياق ذاته أن زمن الوصاية على الشعب قد انتهى، وأنه صاحب السيادة، وهو الذي يحدد مطالبه الجهوية بنفسه عبر التنسيقيات والمجالس الجهوية والمحلية.
من جانبه، عبّر الوزير السابق ناجي جلول عن تخوفه من خطر تفكك الدولة، مشيرا إلى وجود تواطؤ من داخل السلطة لدعم التنسيقيات الجهوية، داعيا الرئيس سعيد للتدخل باعتباره المسؤول عن الأمن القومي.
ويقول النائب عن ائتلاف الكرامة نضال سعودي في حديثه للجزيرة نت إنه بقدر تفهمه للمطالب المشروعة للشباب المعطلين وحقهم في الشغل والعيش بكرامة، فإنه يستنكر ركوب عديد الأطراف على هذا الحق لتحقيق أهداف سياسية.
وأشار سعودي إلى أن هذه التنسيقيات الجهوية تحركها جهات لا تخفي ولاءها للرئيس سعيد ولاتحاد الشغل بهدف الدفع نحو الفوضى ضمن مخطط لإضعاف الدولة، حسب رأيه.
وذكّر النائب بما أسماه عداء رئيس الجمهورية للأحزاب وللبرلمان، وإعلانه خلال حملته الانتخابية عن رغبته في تغيير النظام السياسي وبنية الحكم من شبه برلماني إلى نظام مجالسي شبيه باللجان والتنسيقيات الشعبية.
وفي تطور وصفه مراقبون باللافت في علاقة الرئيس سعيد بالأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، لمّح الأخير لدور الرئيس في دعم الاحتجاجات العشوائية، مؤكدا في تصريحات إعلامية أن الاحتجاجات "مخطط لها، وخطابات التنسيقيات أو ما يسمى باللجان الشعبية توحي بأن أطرافا سياسية وراءها".
بديل للتنظيمات الكلاسيكية
ويرى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريح للجزيرة نت أن الاتهامات التي تطال الحراك الاجتماعي بالتسييس والاختراق من قبل الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، ليس جديدة.
وأشار بن عمر إلى أن محاولات البعض تشويه الحراك الاجتماعي، من خلال التساؤل عن التنسيقيات ومن يقف وراءها، تعد اتهاما ضمنيا للديناميكيات التي ساهمت سابقا في صعود قيس سعيد للرئاسة، وعملا متجددا لتشويه التنسيقيات في ظل غياب حلول وبدائل تقدم للمحتجين.
وشدد على أن التنسيقيات لم تظهر فقط في الفعل الاحتجاجي، بل وجدت ضمن الحقل السياسي والحقل المدني، وأنها شكل من أشكال التشاور والعمل الموحد أفقيا بعيدا عن التنظيمات العمودية الكلاسيكية.
وأكد بن عمر في السياق ذاته أن بروز هذه التنسيقيات يعد تعبيرا عن عجز التنظيمات الكلاسيكية من أحزاب ومنظمات في احتواء الحراك الاحتجاجي الشبابي بسبب طابعها الهرمي التسلطي والإقصائي.
وأشار في ختام حديثه إلى أن تجربة تنسيقية الكامور كانت تجربة مغرية لباقي الحراك الاجتماعي بعد نجاحها في توحيد المجتمع المحلي والمدني، وجعلهم جزءا من ديناميكيتها ومعركتها لافتكاك حقوقها من الدولة.
المصدر : الجزيرة
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال