Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

انهيار المعارضة “الرسمية” السورية

في اعتقالات صيف 2001، التي كان آخرها اعتقال الدكتور عارف دليلة قبل يومين من جريمة 11 سبتمبر الإرهابية، قررت السلطات الأمنية اغتيال ربيع دمشق في وضح النهار. وعن سابق إصرار وتصميم، جرى ضرب فكرة الإصلاح السياسي أو الحديث عنه. كانت ردود الفعل مختلفة ومتعددة، وزاد الوضع تعقيدا بعد احتلال العراق في 2003. بعض قصيري النظر عادوا لفكرة التغيير من الخارج، وحيا أحدهم الاحتلال الأمريكي من وراء القضبان بينما خرج آخر بنظرية “الصفر الاستعماري”.
بدأت محاولات إعادة وحدة المعارضة الوطنية الديمقراطية مع “إعلان دمشق” كصيغة جامعة. إلا أن أول ضربة تلقاها الإعلان كانت في تحالف الإخوان وخدام في جبهة الخلاص، الأمر الذي زعزع الصلة بين مكونات البيان، بين صامت وشاجب. ثم أتى العدوان على غزة ليقرر الإخوان أنفسهم وقف معارضة النظام وحل جبهة الخلاص. في هذا الجو المزعزع والمضطرب للأحزاب التقليدية المعارضة انطلق الحراك الشعبي في درعا. ولم يكن لأي حزب علماني أو إسلامي أي دور فيه. إلا أن هذا التحرك الخلاق لم يلبث أن أصبح واحدا من ثلاثة: الحراك الشعبي من دم ولحم، الحراك الافتراضي الذي هيمن عليه الجيل الثاني من الإخوان المسلمين بمختلف تياراتهم، والصورة التي تقدمها الفضائيات الخليجية للسوريين والعالم. كان أول اعتداء على هذا الحراك من العالمين الإفتراضي والإعلامي في تشويه للصورة وتوجيه للحركة العفوية التلقائية. وقد باشر الإسلام السياسي والجماعات الموالية لأردوغان مبكرا محاولة الاستيلاء على توجهات وخيارات المستطاع من جمهور خرج من أجل الكرامة والحرية في أشباه مؤتمرات واجتماعات تحت السيطرة.
حرصت حكومات أردوغان منذ الأيام الأولى الإمساك برقبة الهيكلة السياسية للحراك والنويات الأولى للتسلح. قاسمها في تجربة المجلس الوطني الفرنسيون والقطريون، بينما تقرر أن تكون غرف العمليات العسكرية، من موم وموك، بإشراف مجموعة صغيرة من الدول شملت P3 ودول الخليج وتركيا. تم تنصيب الائتلاف ممثلا شرعيا وحيدا “للثورة والشعب والمعارضة” وتسارعت الاعترافات به لتفوق المئة دولة. فما الذي فعله الائتلافيون منذ خريف 2012 حتى اليوم؟
 زجت الثورة السورية بمئات الآلاف من الشبيبة إلى الشأن العام والسياسة، فهل تم التواصل معهم والتفاعل والاستماع إليهم؟ هل توقف أحد في هذا الجسم أمام السؤال المركزي: ما هي طبيعة العلاقة بين السياسي والعسكري؟ هل ثمة حاجة لمأسسة الائتلاف ليصبح مجمّعا للطاقات والخبرات التي قدمها الحراك الشعبي للائتلافيين على طبق من ذهب؟  كيف أصبحت معارك النفوذ والسيطرة على هذا الجسم إلى قوة طرد ونبذ لكل ناقد أو محذّر؟ كيف تحول هيكل مبرر وجوده مناهضة الفساد والاستبداد إلى هيئة تعيد انتاج التسلط والفساد بأشكال جديدة؟
الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، فهل تتلخص الحرب بما أسماه الائتلاف (تغيير موازين القوى، السلاح النوعي والتدخل الخارجي)، والمطالبة بتدخل الناتو ومناطق حظر جوي وتقديم خرائط لقصف المواقع الإستراتيجية للقوات الخاصة للنظام ووضع سوريا تحت الفصل السابع؟ أم تتطلب توحيد المقاتلين من كل مكونات الشعب السوري في جيش وطني متحرر من العقائدية والإيديولوجية والطائفية والوصاية ؟ ماذا قدم “الممثل الشرعي والوحيد” وحكومته العتيدة لنصف المجتمع السوري الذي أصبح خارج سيطرة أجهزة النظام  وكيف تعامل معهم؟
لم يكن للمجلس الوطني ومن بعده الائتلاف، أية خبرة في الصراعات المسلحة في الخمسين عاما الأخيرة، خاضوا معركتهم مع المعارضين الوطنيين، أبعدوا خيرة الضباط من ذوي الخبرة والأكاديميين، همشوا كل لديه تجربة بأجهزة الدولة والدبلوماسيين، أمسكوا برقبة الائتلاف كغنيمة ولم تختلف ممارساتهم الداخلية عن أية تجربة تسلطية للتنظيم السياسي.
 طبّعوا مع فكرة التدخل الخارجي عوضا عن بناء مرتكزات سياسة وطنية سورية. ومن المؤسف أنهم لم يستوعبوا أن التبعية السياسية والعسكرية تخلق بالضرورة معارضات قاصرة ومرهونة تحت الطلب، في التحليل النفسي متفق على أن التبعية تخلق حالة قصور ذهني وضيق أفق بالضرورة. وفي تجارب الأمم معروف أن المال السياسي هو أفضل وسائل إفشال الثورات الشعبية، وأن العنف في كل تجارب الشعوب يخلق من الأشرار وتجار الحروب أكثر مما يقتل. لم تكن مشكلتنا الأولى عطب الذات، بل إعطابها، بإعطاء القرارات المصيرية والكبيرة لغير السوريين، سواء من أطلق على نفسه اسم أصدقاء الشعب السوري، أو المقاتلين الأجانب الذين كانوا في الميدان العسكري باستمرار أكثر خبرة وتدريبا وتنظيما، وأكثر استعدادا للقتال حتى آخر “سوري” باسم “نصرة أهل الشام”، حماية الشعب أو حماية المدنيين؟
في نهاية 2013. طلبتُ من الأخضر الإبراهيمي بحضور الدكتور غسان سلامة، تدريب المعارضة السورية على التفاوض. في البدء استغرب الطلب، فقلت له: ” من يضع في ميثاقه الأساسي لا حوار ولا تفاوض، لا يعرف أن التفاوض لا يشكل حالة اعتراف. يا أستاذي العزيز، الشباب في حالة أمية حقيقية بكل ما يتعلق بالتفاوض“. وافق على المقترح وتم تنظيم دورتي تدريب واحدة في مونترو والثانية في اسطنبول لهيئة التنسيق الوطنية والائتلاف. كنا نحاول تخفيف الخسائر ما استطعنا.. ولكن من جاء إلى التفاوض، من مونترو إلى آخر جلسات جنيف؟ وهل كان بينهم كادر واحد بخبرة السيد الجعفري؟
هل السبب غياب الكوادر؟ بالتأكيد لا، السبب هو التهافت على أي سفرة أو مهمة مدفوعة الثمن أو منصب ولو كان بوضع سائق لوري زعيما عسكريا وشريكا في جرائم القتل كبيرا للمفاوضين؟
حتى بعد استقالتها من اللجنة التفاوضية، تصرّ إحدى مؤسسات المجلس الوطني على براءة كل هذه الأطراف من وصول 120 ألف جهادي عبر الحدود التركية، وتعتبر النظام مسؤولا عن ذلك.. وتبرر “فضائل” التبعية بعدم وجود الإمكانيات المادية عند هذه الهياكل.. ويصل منطقها إلى آخره بكل صفاقة وصراحة: “بدنا الدول يوصلوا لتوافق حتى نرجع نتوافق مع بعضنا”.
إذا كانت مديرة مركز أبحاث تتحدث بهذه الطريقة، فلا عتب على لاجئ لا يجد قوت يومه، فيركب الطائرة مرتزقا إلى ليبيا.
الحقيقة مؤلمة. والحقيقة أن شبه المؤسسات التي اعترف عليها من اعترف، باعتبارها ممثلة وحيدة للشعب السوري، لم يعترف عليها، إلا لكونه متأكد من أنها لن تشق عصا الطاعة لداعميها ومموليها. وأنها رهن أمر أسيادها وفق المثل الفرنسي الشهير qui donne, ordonne  “من يعطي يأمر”. والحقيقة أيضا، أن هؤلاء إذا تهاوشوا، سيدخل أزلامهم بالضرورة في حالة موات.
لا يمكن لهيئات تبحث عن مراضاة وإرضاء عرابيها ودائنيها الأبعد، إلا أن تستمر بلعب دور الخادم الصغير.. الإسلاميون حلوا المشكلة باعتبار أردوغان باعثا لمجد الخلافة التي يتباكون على سقوطها منذ قرن، فماذا عن الآخرين؟ الذين انسلخوا تماما عن تكويناتهم القومية والسياسية والمدنية مقابل شبه وجاهة ودريهمات.
يعرف عمانوئيل كانت التنوير بالقول: هو نهاية عصر الإنسان القاصر، وانتصار الاختيار الحر. ومنه استنبطنا تعريف الظلامية في 1974: هي العودة إلى الكائن الطائع الخانع، أي العودة بالضرورة إلى الإنسان القاصر.
لم يعد مهما لماذا خرج زيد من اللعبة أو أخرج، أو لماذا أبعد عبيد منها. لماذا جرى اعتماد أسماء لا علاقة لها بالحرية أو الديمقراطية أو التغيير الجذري، وتخوين وتكفير أسماء دفعت الغالي والنفيس من أجل الثورة لا في محافل التعيش من الثورة. فميزان الثقة ليس الكفاءة أو الكاريزما أو الكرامة الشخصية أو التضحيات المقدمة. الميزان في مدى الخضوع لسياسات الدولة التي تدعم هذا الحزب والفصيل أو ذاك الشخص.
ألا تعرف السلطات التركية حقيقة حجم الائتلاف ودوره؟ ألا يعرف الخليجيون شعبية من يقدموهم باسم الشعب السوري ممثلين عنه؟ ألم يقابل السوريون محاولات تغيير “المستقلين” من قبل الرياض باللا مبالاة الكاملة.. ألا يضحك السوريون على الأمريكي في محاولاته التوفيقية التلفيقية لبقاء شيء ما اسمه “هيئة تفاوضية”؟ هل تخفى كواليس صفقات من بقي في الائتلاف والقرف الشعبي العام منها؟ لقد دفع الشعب السوري ثمنا باهظا لهذه البنيات التابعة، التي اعتقد البعض بضرورة وجودها لملء الوزارات الشاغرة بعد إسقاط النظام وقبل العيد، مر عشرون عيدا، لنصل إلى استنتاج بسيط وعفوي: إن من نصّب على السوريين ممثلا شرعيا وحيدا عنهم، جعل من هؤلاء، بوعي أو دون وعي، أهم وسائل استمرار السلطة التسلطية.
الدكتور هيثم مناع
مؤسس تيار قمح وعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال