Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

سوريا - #الرقة بعد "داعش"...موسم عودة #التلميذات إلى مقاعد الدراسة

بعد قرابة عام ونصف من تحرير مدينة الرقة من براثن "الدولة الإسلامية"، لا يزال قطاع التعليم يرزح تحت تركة الإرهاب الثقيلة. كيف يبدو وضع الفتيات تعليمياً اليوم؟ وما هي أبرز الصعوبات التي تعترض عودة المياه إلى مجاريها؟
في أحد الصفوف التابعة لمدرسة السلام جلست روان ذات الأعوام التسع مع زملائها تستمع بانتباهٍ شديد إلى معلمتها. من بريق عينيها يرى المرء فرحتها بالعودة إلى مقاعد الدراسة بعد حرمانٍ دام لثلاث سنوات بسبب القيود التي فرضها تنظيم "الدولة الإسلامية"، والمعروف إعلامياً باسم "داعش"، على تعليم الإناث. التنظيم الإرهابي جعل التعليم حكراً على الصبيان ومقتصراً فقط على تدريس مادة التربية الإسلامية في جوامع المدينة. يقول والد روان: "آخر العنقود، روان، لم تكن قادرة على الذهاب حتى إلى الجامع لتعلم أساسيات القراءة والكتابة".
الممارسات التعسفية للتنظيم الإرهابي أدت إلى زيادة نسبة الأمية بين الفتيات عنها بين الصبيان خصوصاً اللواتي لم تساعدهن الظروف للنزوح خارج المدينة. وهذا ما أكدته ريم الناصر مديرة جمعية نما التعليمية في تصريح خاص لـ DW عربية: "لاحظنا أن نسبة الأمية بين الإناث أعلى منها بين الصبيان بنسبة 20%، وذلك بسبب الحرب التي شنها داعش ضد تعليم الإناث".
لم يبقَ منها سوى "اسمها"
بعد انتهاء الحرب على تنظيم "داعش" وخروج التنظيم من المدينة قبل حوالي سنة ونصف، عاد الأهالي إلى الرقة ليجدوها أثراً بعد عين لم يبق منها إلا حجارةً متداعيةً فوق بعضها البعض.
تدمرت المدارس بشكلٍ كامل ولم يبق منها سوى اسمها، فلا مقاعد ولا ألواح ولا كراسات، الأمر الذي أدى إلى زيادة المناشدات من قبل الأهالي لدعم قطاع التعليم من السلطات المحلية. كما قامت بعض منظمات المجتمع المدني بافتتاح مدارس مثل مدرسة السلام الواقعة في حي الدرعية غربي المدينة، ومدرسة الكواكبي القريبة من دوار (ساحة) النعيم. وهي ساحة شهيرة إذ أن "داعش" أعلن منها سيطرته على مدينة الرقة. هذه المدارس هي عبارة عن مبانٍ سكنية تم استئجارها وإعادة تأهيلها لاستقبال الطلاب الراغبين بالعودة إلى المدرسة.
بقايا مدرسة في الرقة
حتّى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تم افتتاح 44 مدرسة استقبلت 45 ألف طالب، حسب ما قال علي الشنان رئيس لجنة التربية والتعليم التي شكلتها السلطة المدنية في الرقة.
استقبل الأهالي والتلاميذ خبر افتتاح مدارس جديدة بفرحةٍ شديدة ورغبة عارمة بتقديم المساعدة بكافة أشكالها. وبلغ عدد الطلاب في مدرسة الكواكبي وحدها ما يقارب عشرة آلاف طالب أغلبيتهم من الإناث، حيث أبدى الأهالي إقبالا شديداً على إرسال بناتهم إلى المدارس حتى لا تحرم البنات من حقهن في التعليم، وهذا الأمر معروف لدى سكان مدينة الرقة، فعلى الرغم من الطابع المحافظ الذي تتسم به المدينة، إلا أن هذه الصفة لم تؤثر على تعليم الفتيات منذ الصغر وإرسالهن إلى المدرسة، وهذا الأمر أكدته ريم الناصر: "عند افتتاحنا للمدارس توقعنا استقبال 40 ألف طالب، إلا أن العدد كان أكبر ووصل ل 70 ألف طالب، لم يكن لدينا صفوف كافية، ما اضطرنا لإخلاء مكاتب إدارة المدرسة ووضع التلاميذ فيها". أما المناهج التي يتم تدريسها فهي معتمدة من قبل منظمة اليونيسف والتي تعتبر نسخة معدلة عن مناهج التدريس الصادرة عن وزارة التربية السورية.
حالات معدومة "تعليمياً"
صعوبات كبيرة واجهت القائمين على إعادة عجلة التعليم إلى مسارها الطبيعي في المدينة، أهمها الدعم المادي الضئيل جداً، فالكثير من المعلمين لم يتلقوا رواتبهم لأشهر مما يجعل استمرارية هذه المدارس لفصل دراسي ثاني صعبة للغاية وهذا يؤدي لحرمان الطلاب من متابعة تعليمهم من جديد .
مصطفى سليمان ناشط إغاثي ومعلم للغة العربية يرى في حديث لـ DW عربية أن أكبر الصعوبات التي يصطدم بها الكادر التعليمي هي "الفجوة" التي حصلت في المستوى التعليمي للأطفال نتيجة انقطاعهم لأكثر من ثلاثة أعوام مما أدى إلى نسيانهم لما تعلموه سابقاً، ويضيف "لقد تعاملنا مع حالات معدومة تعليمياً: عدم القدرة على كتابة الاسم. إذا تركت هؤلاء الأطفال مع زملائهم الذين يسبقونهم تعليمياً سيؤثرون عليهم سلبياً، وإذا أخرجتهم من المدرسة فهذا أول طريق الفشل. تطلب الأمر مجهوداً كبيراً ولكننا استطعنا بفضل تعاون الأهل من إلحاقهم بزملائهم". كما أشار مصطفى سليمان إلى حجم الدمار الهائل الذي تعرضت له المدارس، فهي غير مجهزة بالأبواب والنوافذ ولا حتى بدورات المياه.
"حتّى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تم افتتاح 44 مدرسة استقبلت 45 ألف طالب"
اضطراب ما بعد "الصدمة" النفسية
لا تتوقف العوائق التي تعترض سبل النهوض بالتعليم بشكل عام وبتعليم الفتيات على وجه الخصوص على الجوانب المادية فقط؛ إذ أن الخراب والدمار وصل حتى النفوس والأرواح. الخبيرة النفسية، رائدة سلامة، عادت إلى المدينة بعد أن نزحت لخمس سنوات تؤكد في حديث خاص لـ DW عربية وجود حالات نفسية لسيدات وأطفال تعرضوا لظروف الضغط والقهر والحرمان وهم بحاجة إلى دعم نفسي وتعاون حثيث من السلطات المحلية والمجتمع بأكمله.
تروي سلامة قصة طفلة "شاهدت" أحد مقاتلي "داعش" وهو يقطع يد طفل صغير أمام عينيها: "تعرضت الطفلة لأزمة نفسية قاسية، فهي تستيقظ من نومها باكية وتسأل والديها: هل ستعود يد ذلك الطفل إلى جسده؟ هل سيقطعون يدي أنا أيضاً؟".
أحلام بريئة
عاشت الطفلة الصغيرة روان كغيرها من أقرانها ويلات الحرب وعذابات النزوح واللجوء وبقيت صور الموت والدمار القاسية حاضرةً بين عينيها. وفي هذا العمر الصغير تحمل روان أعباءً أكبر من أن يحملها طفلُ صغير في مثل سنها. تفرض تساؤلات محيرة عن المستقبل المجهول نفسها على ذهنها. ولا تعرف روان ما ينتظرها في المستقبل، لا القريب ولا البعيد. غير أن روان تحلم بأن تصبح مهندسة عندما تكبر لكي تساعد في بناء مدينتها المدمرة وإعادة بناء بيتها الذي "قصفته" قوات التحالف الدولي.
ويحلم كل أطفال الرقة بمستقبل مشرق إلا أن هذه الأحلام تبقى رهينة الجهود المبذولة لإزالة الدمار وإعادة الإعمار، ولكن وقبل كل شيء تبقى رهينة دهاليز السياسة التي تستعصي على فهم وإدراك أطفال بعمر الزهور.
نور العجيلي - DW عربية

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال