Application World Opinions
Application World Opinions
Application World Opinions

موريتانيا وأبوالغيط.. والقمة العربية

أقصى ما سيحققه المجتمعون في نواكشوط هو تثبيت حالة الانهيار وتوقيف تمددها، وإن تحقق ذلك فقد نجحت القمة العربية، وهذا ممكن رغم المحاذير الكثيرة.
قضايا كثيرة ستطرح على القادة خلال القمة العربية المقبلة في موريتانيا، 25 و26 يوليو الجاري، ومطلوب حلّها بعد أن تراكمت لسنوات وازدادت منذ الانتفاضات التي اجتاحت دولا عربية عديدة وغيرت مسار حركة التاريخ، وعجزت عنها الدول العربية الكبيرة والفاعلة والمؤثرة عربيا وإقليميا ودوليا، ومن أهم تلك القضايا حقن الدماء، ومواجهة الإرهاب والتطرف، وإنشاء القوة العربية المشتركة، والمحافظة على الوحدة الترابية لدول مثل سوريا والعراق وليبيا، وإعادة الاستقرار إلى اليمن، ودعم الشعب الفلسطيني، وتطوير العمل العربي المشترك، وتفعيل التكامل الاقتصادي… إلخ.
ونظرا لتعدد القضايا وتراكمها، فإنه لا يُتوقّع تقديم حلول عاجلة لها، وأن نجاح القمة سيكون في تثبيت الحال على ما هي عليه، ومن هذا المنطلق يمكن لنا قراءة تصريح الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، للإعلاميين بعيد وصوله مطار نواكشوط، بـ”أن القمة ستناقش كل الملفات المعهودة، وعلى رأسها الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وأن هناك بنوداً خاصة بمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن القومي، علاوة على القضية السورية وقضية فلسطين باعتبارها قضية العرب الأساسية”.
الملاحظ أن الجانب الموريتاني، الرسمي والحزبي والإعلامي، يراهن على نجاح تنظيم القمة، وتعزز هذا الرأي مقولة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، والتي نصها “موريتانيا ستنظم القمة العربية ولو تحت الخيام”، ويبدو أن هذا قد تحوّل إلى حقيقة، حيث تحدّث عدد من المواقع الإخبارية والمراسلين عن أن الحكومة الموريتانية أعدّت خيمة كبيرة لتحتضن اجتماعات القمة السابعة والعشرين، بعد أن فشلت محاولات التسريع في أشغال بناء قاعة مؤتمرات كبيرة في وقت قياسي إثر اعتذار المغرب عن استضافة القمة في فبراير الماضي. وتشير تقارير إخبارية إلى أن الخيمة أصبحت جاهزة، باستثناء بعض اللمسات الأخيرة والتحضيرات الفنية التي يسارع المهندسون للانتهاء منها.
ومنذ أن وافقت موريتانيا على عقد القمة العربية، بدا من خلال التصريحات الرسمية أنها ستبذل جهودا كبيرة لعقد القمة لكن ضمن قدراتها، وذهب رئيسها في أكثر من تصريح إلى القول “على الإخوة العرب أن يقبلوا موريتانيا كما هي.. وبإمكانياتها”، وهو ما اعتبره المراقبون إشارة إلى تواضع البنى والتجهيزات في نواكشوط.
ومهما يكن، فإن عقد القمة العربية في موريتانيا يعتبر إنجازا مهما مقارنة بمقدرات موريتانيا وموقعها في خارطة العمل العربي، فقد بقيت منذ انضمامها إلى الجامعة العربية في 1973 بعيدة في الأطراف، لا ينظر إليها من زاوية كونها قادرة على تحمّل مسؤولية تنظيم المؤتمرات أو القمم العربية، وقد بدت الآن مُنْقِذَة للعمل العربي المشترك لجهة اللقاء، ولو في حده الأدنى.
وتتخوف المعارضة الموريتانية، رغم تحمسها لعقد القمة في نواكشوط، من أمرين، الأول أن يزيد نجاح القمة، تنظيما وحضورا لعدد كبير من القادة العرب، في رصيد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، مما سيُوَسّع من سلطته، والثاني أن تصدر القمة قرارات قد لا تكون لصالح العمل العربي المشترك، أو تكون محل خلاف مع الدول العربية الأخرى ذات العلاقة المباشرة مع موريتانيا، خاصة الجزائر والمغرب.
وبعيدا عن مخاوف المعارضة، فإن الدبلوماسيين الموريتانيين، على مستوى المندوبين في جامعة الدول العربية مثلا يرون “أن القمة المقبلة بما سيصاحبها من تحديّات وما يعقد عليها من آمال ستكون قمة الأمل.. قمة تدبّر الحاضر واستشراف المستقبل الأفضل لأمة عظيمة قدرها أن تكون في الصدارة وأن تصنع التاريخ وتقود الإنسانية نحو بر الأمان”.
من ناحية أخرى، اعتبر العديد من السياسيين داخل البلاد وخارجها أن تنظيم القمة العربية أهم حدث في موريتانيا منذ الاستقلال، علما بأنها تستضيفها لأول مرة، وقد انتظرت 43 عاما، وبالتي فإن انعقاد القمة، كما سبق الذكر، نجاح في حد ذاته، بغض النظر عن نتائج القمة، وهو ما تروّج له عدة أطراف موريتانية بما في ذلك كبار المسؤولين، وهذا الرأي يؤيده أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، الذي توقع نجاح القمة المقبلة.
وذهب أبوالغيط إلى أكثر من هذا حين قال في حوار مع قناة العربية “آمل أن تلقى هذه القمة رضا الجميع على المستوى التنظيمي واللوجستي.. وأن النجاح أيضا يتمثل في المشاركة، فلو شارك ما بين 11 و15 من الرؤساء والملوك فذاك يعد نجاحا، لأننا لم نتجاوز هذا العدد تاريخيا من قبل، وانعقاد القمة في حد ذاته نجاح”.
هناك ثلاثة أطراف تعمل من أجل إنجاح القمة الأول: الجامعة العربية، لأجل أن تستمر في دورها القومي مهما كانت الصعوبات، وأيضا لأجل إثبات دور أمين عام الجامعة الجديد ضمن نشاط أولي يؤسس لتغير في العمل القيادي. ومصر من خلال قيادتها للعمل العربي عبر أحمد أبوالغيط، بعد أن تراجع دورها خلال السنوات الست الماضية على خلفية التغيرات التي عاشتها ولا تزال تعيشها. وموريتانيا لكونها تثبت حضورا لم يكن موجودا على الصعيد القومي. ولكن هذه الأطراف الثلاثة لا تتحرك ضمن خطة استراتيجية وإنما تحكمها دوافع ومكتسبات اللحظة الراهنة، وهي لحظة حاسمة في تاريخ الأمة، وأقصى ما سيحققه المجتمعون في نواكشوط هو تثبيت حالة الانهيار وتوقيف تمددها، وإن تحقق ذلك فقد نجحت القمة وهذا ممكن رغم المحاذير الكثيرة.

خالد عمر بن ققة/كاتب وصحفي جزائري

0 comments :

Enregistrer un commentaire

التعليق على هذا المقال