طهاة فلسطينيون يقدمون الطعام للمحتاجين على مدار العام.
تقترن مقولة “الخليل مدينة لا ينام فيها جائع”، بوجود تكية سيدنا إبراهيم، قرب المسجد الإبراهيمي، والتي تقدم الطعام للمحتاجين على مدار العام، وخاصة في شهر رمضان.
ويعمل عدد من الطهاة الفلسطينيين داخل مطبخ التكية كخلية نحل على مدار ساعات ليل رمضان، لطهي الطعام من أجل تقديمه في صباح اليوم الثاني مجانا للعائلات الفقيرة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
ويقوم الطهاة بطهي أنواع متنوعة من الطعام الفلسطيني، مثل جريشة القمح والفاصوليا واللحم والدجاج وغيرها من الأطعمة، بالإضافة إلى تقديم الخبز والأرز أحيانا أخرى للعائلات ذات الدخل المحدود في المدينة.
ويواظب أبومحمد أحد الطهاة في العمل داخل التكية منذ 15 عاما ما يشعره بأنه يقوم بواجبه الإنساني من خلال طهي أجود أنواع الطعام وتقديمه للعائلات المحتاجة في المدينة، التي “لا ينام فيها جائع” لوجود التكية.
لا يقتصر عمل التكية الإبراهيمية على شهر رمضان بل يتكرر المشهد على مدار العام منذ أكثر من 700 عام
ويقول أبومحمد بينما كان يحرك اللحم داخل إناء كبير لوكالة أنباء (شينخوا) “إن طاقم العمل يحافظ على موروث إسلامي وإنساني من خلال تجنيب العائلات الفقيرة الشعور بالجوع”، مؤكدا على أهمية المبادرات الإنسانية للقضاء على الفقر داخل المجتمع.
ولم يقتصر عمل “التكية الإبراهيمية” على شهر رمضان بل يتكرر المشهد على مدار العام منذ أكثر من 700 عام.
ونسبت التكية إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، لكرمه وسخائه، وتعود بداياتها إلى عام 1279، حين أنشأها السلطان قالون الصالحي، في زمن صلاح الدين الأيوبي، لخدمة جنوده، ومنذ تأسيسها وحتى اليوم، وهي مستمرة في استقبال الفقراء والمحتاجين وتقديم الطعام المجاني لهم.
وتعمل التكية طيلة أيام السنة، ولم يتوقف عملها حتى في أوقات القذف الإسرائيلي، وتعتمد التكية على تبرعات أهل الخير، ليتزايد الإقبال عليها في الشهر الفضيل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
تتكون التكية وهي كلمة من أصل تركي وتعني المطعم من مطبخ ومخزن وقاعتين للطهي، واحدة مخصصة للرجال، وأخرى للنساء، وقاعتي انتظار للوافدين.
ويقول مدير التكية الإبراهيمية لؤي الخطيب بينما يتنقل بين الطهاة للإشراف على الوجبات “نقدم الطعام طوال العام، حيث نعتمد بشكل أساسي على التبرعات السخية التي يقدمها رجال الأعمال الفلسطينيون، بالإضافة إلى بعض الوفود العربية والأجنبية”.
ويضيف الخطيب أن الطلب على الطعام يتضاعف في شهر رمضان بسبب أعداد العائلات المتعففة التي تحصل عليه، مشيرا إلى أن التكية تقدم في الأيام العادية حوالي 600 وجبة يوميا، بينما في رمضان تصل إلى 16 ألف وجبة يوميا.
ولتسهيل عملية إعداد الطعام في رمضان، يبدأ العمل داخل التكية في اليوم السابق للتوزيع، حيث يتم استلام اللحوم ولوازم الطبخ، وفي صباح اليوم التالي يتم تحضير الوجبات.
ويبدأ الفقراء مع ساعات بعد الظهر بالتجمع من خلال الاصطفاف في طابور منظم أمام مقر التكية للحصول على حصتهم من الطعام، كان بينهم محمد إبراهيم رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة يجلس على كرسيه المتحرك.
عمل الخير متوارث في فلسطين عمل الخير متوارث في فلسطين
ويقول إبراهيم الذي فقد ساقه في حادث مروري مما أفقده وظيفته، إن الحادثة جعلتني “دون عمل وغير قادر على توفير الطعام لعائلتي المكونة من ثمانية أفراد”.
وأعرب الرجل (48 عاما) الذي يحصل على الطعام طيلة أيام الأسبوع من التكية، عن شكره لوجود “مبادرات إنسانية لمساعدة العائلات الفقيرة”، مشيرا إلى أن “الجميع يحصل على الطعام اللازم ولا تجد أي فقير ينام جائعا في المدينة”.
ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة إلى أم أحمد وهي امرأة مسنة من الخليل، مسؤولة عن إعالة أربعة من أحفادها الذين فقدوا والديهم منذ أربعة أعوام ولا يتلقون مساعدات إلا ما تقدمه لهم المؤسسات الخيرية.
وتقول أم أحمد بينما تشكو سوء وضعها الاقتصادي، إن “المساعدة التي نحصل عليها من مثل هذه المبادرة لا تقتصر على الغذاء فقط، ولكن هناك أيضا العديد من المانحين الذين يقدمون المال لتغطية النفقات اليومية لعائلتي الفقيرة”.
وتقول فتاة تبلغ 13 عاما، لدى انتظار دورها للحصول على وجبة إفطار، إنها “تأتي منذ سنتين لاستلام وجبة إفطار عائلتها”.
وتضيف الفتاة، “يعمل والدي بالمياومة، ومنذ ما يزيد على الشهر أصبح عاطلا بسبب الإغلاق الذي فرض بفعل كورونا”، وينطبق ذلك على المئات من العائلات الفلسطينية التي باتت بحاجة إلى مساعدة.
ويبلغ عدد سكان مدينة الخليل قرابة 250 ألف فلسطيني ومساحتها نحو 42 كلم مربع وهي من أكبر مدن الضفة الغربية وتمتاز بأهمية اقتصادية وكذلك دينية، حيث يتوسطها الحرم الإبراهيمي رابع الأماكن المقدسة عند المسلمين الفلسطينيين.
ميادين - العرب اللندنية
0 comments :
Enregistrer un commentaire
التعليق على هذا المقال